آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:02 م

متى تنتهي مآسي النقل المدرسي؟

محمد معتوق الحسين *

حالةٌ من الغضب والإحباط أشعر بها كلما بلغني خبر وفاة طالب أو معلمة في حادث مروري. لا أدري لماذا اعتدنا هذه الأخبار دون إحداث تغيير ملموس لمنع تكرارها، وكأن من الطبيعي أن نقرأ خبر ارتطام باصٍ لنقل معلمات، أو انقلاب باصٍ مدرسي، أو دهس طالبة كانت في طريق عودتها للمنزل. نقرأ الخبر، نتأثر لبعض الوقت، ثم نعود لحياتنا وكأن شيئاً لم يكن.!

في الشركات والمصانع، لا تمر الحوادث مرور الكرام. إذا وقع حادثٌ ما، وسبّب خسائر مادية، يجتمع المسؤولون، يشكلون فريق عمل للتحقيق فيه، ثم يبحث الفريق أسباب الحادث فيما يسمّى ب «تحليل السبب الجذري - root cause analysis». ثم يقدم الفريق تقريراً تفصيلياً عما جرى، وعن الأسباب، مع توضيح أهم التوصيات لتحاشي وقوع حوادث مماثلة في المستقبل. وقد لا يكتفي المسؤولون بذلك، بل يأمرون بتقصي جميع المخاطر المحتملة «potential risks» ووضع الخطط لتفاديها. هكذا تقوم الشركات المحترمة بحماية مواردها المادية. فما حالنا مع البشر؟!

ولكن.. من المسؤول؟

كلنا! كلنا مسؤولون عن سلامة أبنائنا وأخواتنا الذين يرتادون المدارس. ليست المسؤولية ملقاة على جهة معينة دون أخرى. كلنا علينا أن نعمل لحل هذه المشكلة.

فالمدرسة مسؤولة عن توعية سائقي الباصات بإجراءات السلامة الواجب اتباعها. وعلى المدرسة أيضاً أن تتعامل مع التجاوزات بحزم، وأن تنفذ العقوبات الرادعة في حق المتهاونين، وتكرّم السائقين المنضبطين. المدارس عندنا مقصرة جدا في هذه النقطة. كذلك، يجب على المدرسة أن تثقف الأبناء وتوعيهم بالسلامة المرورية من خلال برامج قوية وفاعلة. من المهم أيضاً تواجد كادر مسؤول عن ضبط السير في أوقات الذروة كفترة الوصول صباحاً، وفترة الانصراف بعد الظهر. هذا بالإضافة إلى توفير البنية التحتية اللازمة كمسارات المشاة، ولوحات الوقوف، ومناطق الانتظار.. وما إلى ذلك.

يكفي أن تقف خارج إحدى المدارس - العامة أو الخاصة - لترى بأم عينك المآسي في التنظيم. لقد عملت لأشهرٍ مع فريق من المتطوعين على تقييم حالة السلامة المرورية في واحدة من أرقى - وأغلى - المدارس العالمية في المنطقة الشرقية، وكان الوضع مزرياً، بشهادة المسؤولين فيها. على هذا الحال أن يتغير، وألا نقبل به أبداً.

الأسرة أيضاً مسؤولة عن تكميل دور المدرسة بحثّ الأبناء على اتباع إجراءات السلامة، كربط الحزام، والانتباه عند قطع الشارع. على الأسرة أيضاً أن تحث الأبناء على التبليغ عن أي تجاوزات يقوم بها السائق، كالسرعة الزائدة، والحديث على الجوال. لابد أن نجعل السلامة هاجسهم وألا يقبلوا بالتهاون بها. لا يكفي أن ننتظر كل شيء من المدرسة.

كذلك أرجو أن توفّر الدولة برامج تدريبية مختصة بتعليم قيادة باصات المدارس، فسائق الباص المرسي يحتاج تدريباً مضاعفاً ومركزاً على السلامة. وأن يكون هذا التدريب شرطاً أساسياً للحصول على رخصة القيادة. وأن تكون العقوبة مضاعفة على السائقين المتهاونين. أرجو أيضاً من وزارة التعليم أن تتعامل بحزم مع المدارس التي لا تطبق المواد المشروحة في ملف «قواعد وشروط النقل المدرسي» الذي يفصل مسؤوليات كلٍّ من السائق والمدرسة وإدارات التعليم لتوفير نقل مدرسي آمن وفعال.

حان وقت العقل

قال أينشتاين: ”الجنون هو أن تفعل ذات الشيء مرةً بعد أخرى وتتوقع نتيجةً مختلفةً“. حان الوقت لنتعامل مع قضية سلامة النقل المدرسي.. بشيءٍ من العقل!

حماكم الله ومن تحبون..