آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

غربة المثقف وانعكاس الماء

جمال الناصر

إن المثقف غريب في مجتمعه، إحساس غربة في اتجاهاتها الضمنية لا الواقعية. يعرف معجم المعاني الغربة بكونها النوى والبعد، تباعًا في الدلالة، ليطلق عليها الوحشة. إذًا مقولة أن المثقف غريب بين أوساط مجتمعه، لا تتحقق جسديًا، بحيث أنه جزء من أجزاء المجتمع ككل، ربما الذين، يوافقون على أن المثقف غريب، أرادوا بذلك، الأمور الثقافية والفكرية، التي تكون حصيلة الزخم المعرفي، والإدراك الاجتماعي إلى آخر القائمة. وعليه فإن توصيف المفارقة الثقافية والاجتماعية بين مكونات المجتمع، لتبدو في حينها أن ثمة غربة، تكتنف المثقف، في حين أنها، تعتمد على مدى مقبولية هذا المثقف أو ذاك.

إن الثقافة، تمثل جسر عبور بين فئات المجتمع، حيث أن اللغة، تعد مسار التواصل، مع الآخر - الإنسان -، هي لغة التخاطب، وفيها تكون العلاقات الاجتماعية بالضرورة بمكان، لتأخذ في بوصلتها العلاقات الثقافية والفكرية. إذًا أين يكمن توصيف الغربة، بالتالي، يرى البعض أن تفاوت المستويات الثقافية والأنساق الاجتماعية، لهي من مسببات، إحساس المثقف بأنه ضمنيًا، يعيش حالة من الوحدة - إن صح التعبير -، أو بالأحرى تقبله، قد يشوبه الغبار، لما يحمله من أفكار وثقافة. ومنه لا نعتقد - تطفلاً -، أن المثقف، لغريب في مجتمعه، لأنه يرتكز على مدى فاعلية علاقاته، سواء الاجتماعية أم الثقافية الفكرية. حقيقة، يتذرع بعض المثقفين بأنهم غرباء، ليرموا اللوم والعتب على المجتمع، بكونه مجتمعًا لا يمتلك ثقافة، تتوافق مع ثقافتهم عموديًا وعرضيًا، ليكونوا ”نسخ ولصق“، هذا بنسبة وقدرها - عليك اكتشاف النسبة -.

منطقيًا انعكاس الماء، ليس حقيقيًا، ولا يمتلك خصائص الماء، ولا واقعيته، لكنه يعكسه، كصورة. إن المثقف، قد يفسر - جدلاً -، الرأي والمعلومة والتطلع المخالف له، بأنه يعد مبررًا له، ليطلق على نفسه غريبًا بفكره وثقافته. لا بد من الاختلاف، تعانق الأفكار واتساعها، تلاقحها، فإنه يولد أفكارًا نوعية، ويثري الساحة الثقافية والفكرية، لتكن ولادة. لذا ينبغي على المثقف، أن يقلب المعادلة، فليس غريبًا، نتيجة ما يشعر به، لكنه في مكانته الثقافية، يحتضن مجتمعه، يطور من علاقاته الثقافية معه، ليغرس في ذاته، بأنه جزء لا يتجزأ من مجتمعه، يسعى لأن يكون متفائلاً، يخلق في ذاته وفكره، صورًا ذهنية إيجابية، حينها لن يشعر بأنه غريب، ليكن لونًا، يضاف إلى ألوان المجتمع، ليرسم قوس قزح، تبصره الأحداق جماليًا، لتنتعش ذاته، وتغري كنهه بالثقافة والفكر.