آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

عبق عطاء جواد الأئمة (ع)

لقد سار الإمام الجواد على منوال وطريقة الأنبياء والأئمة في صياغة الشخصية الإيمانية وبناء المجتمع المتكاتف، فكان يرسم تلك المعالم المشرقة من خلال كلماته الإرشادية والتوجيهية نحو فتح أفق التفكير المنطلق في فضاء المعارف والاستفادة منها، فالمؤمن ليس بذاك الذي يعيش حالة الجهل في أبعاد حياته أو يرتضي تقمص دور الإمعة، بل يمارس الدور التفاعلي المسهم في شق دياجير الجهل، وهذا ما كانت تمد به بصيرته الفكرية وتغذيها نورانيات الإمام الجواد الحكمية، وتجنبهم الوقوع في أفخاخ الشبهات العقائدية التي ينصبها علماء السوء؛ طلبا لإضلال الناس وحرفهم عن الحق.

وأما بصيرته الإيمانية وزرع سلوك الورع والاستقامة فقد أولى الإمام عناية بحماية الناس من آفات السقوط الأخلاقي والانهماك والانشغال بالحياة المادية، فأنار القلوب بحقائق الأمور وحقيقة دور ووظيفة الإنسان في هذه الحياة القصيرة، فينعم المرء بالحياة السعيدة رغم ما تحيطه من ظروف صعبة ومعوقات، حياة الطمأنينة والثقة بتدبير الله تعالى، فالمثل والقيم ليست بلبوس الضعفاء أو المتحايلين فكريا على حياة القهر والحرمان، بل هي نموذج للحياة الفاضلة التي تليق بكائن يتركب من عقل ووجدان وهو الإنسان، وعليه فإن صياغته التكاملية لابد أن يلحظ فيها أبعاد ومحددات شخصيته تماما.

وهذا ما نلحظه في المنهج التربوي للإمام الجواد في مخاطبة وتوجيه الإنسان، وبناء دعوته لاعتصام النفس من الزلل والطغيان وفق حركة جوهرية يستقيم فيها العقل الواعي والشعور الهاديء الوازن.

ومعلم آخر من عطاء الإمام الجواد نلحظه بنحو ملفت وهو كثرة المسائل التي وجهت له سواء في المسجد أو في تلك المناظرات التي تعقد في مجلس الحكم، وأظهرت بنحو جلي أن علم الأئمة ليس باكتسابي يمد به المرء من المؤدب والكتب، بل هو علم إلهي لدني لا يعرف طريقا لجهل مسألة أو حيرة في استفسار، بل هو بحر زاخر من المعارف تتلاطم أمواجه لا يعرف له حدود، وهذه النتيجة التي سلم بها أعداؤه كانت إفرازا طبيعيا لاختبارات كثيرة أعجزت المتسائلين، وهذا مما أرغم أنوفهم بالتسليم لمستواه العلمي الذي لا يجارى أو يدانى.

استلام الإمام الجواد لمهام الإمامة الفعلية في سن مبكرة جدا لم يكن شيئا مألوفا عند المحب والمبغض، فاستنفرت هذه العلامة الفارقة للإمام عن آبائه لتوجيه الأسئلة الكثيرة له؛ رغبة من محبيه في الاستفادة من محضره الكريم وإرواءا لتعطشهم العلمي ولتطمئن القلوب بتمتعه بالصناعة الإلهية الخلصة، وطمعا من أعدائه في الإمساك بزلة أو إعياء في جواب يظفرون به، فيشنعون على أتباعه بأن عقيدتهم في عصمة الأئمة غير صيحة ولا يتمتعون بعلم إلهي لا يتأتى معه نسيان أو خطأ أو جهل، ولكن خابت ظنونهم وأبصر الناس في شخص الإمام الجواد امتدادا لسيرة الأنبياء والأئمة الذين اجتباهم وأيدهم.