آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

ماذا خسرنا بغياب المرأة..؟

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

من استبشر، ومن أصيب بالذعر من القرار التاريخي الشجاع، بالسماح للمرأة بقيادة السيارة كلاهما محق..!، فهذا القرار ليس مجرد اضافة لـ «سائقات» على طريق مزدحم، بل هو تغييرٌ يمس بنيّة ثقافة المجتمع وصورته وهويته، أما مساحة هذا التغيير فلا يستطيع أحد اليوم أن يتنبأ بحجمها ومداها.

السؤال، المفتاح لفهم أهمية هذا التحول: ماذا خسرنا بغياب المرأة..؟، ليس على المستوى الاقتصاد والتنمية والمشاركة الاجتماعية فحسب، بل على اساس التجانس والتعايش الطبيعي داخل المجتمع. غياب أو «تغييب» المرأة أخلّ بالتوازن الجندري بين السكان، لكنه أخلّ أكثر بالتكوين الثقافي. أصبحت الشخصية الاجتماعية تتماذى في ذكورتها بنحو عدواني ومتطرف، ذكورية، أنتجت ثقافة الاقصاء والتعالي وهدر حقوق الآخرين. المرأة نفسها عانت من ذكورية المجتمع، تحولت الى «ضحية»، وفريسة لغرائز الذكور، ولكن الجميع برمته أيضاً عانى من هذه الذكورية التي شوهت تكوين هويته الاجتماعية.

بغياب المرأة؛ فقدنا صورتنا الطبيعية التي تشكل الأنثى حيّزاً مهماً من ملامحها، اصبحنا أكثر خشونة وقسوة وصرامة. كلما تمادى مجتمع في اقصاء المرأة أو احتقار دورها ومكانتها، غاص أكثر في التطرف والتحجر والتزمت الفكري.

أصبحت منتجاتنا الفكرية التي تغيب عنها المرأة منتجات ناقصة وقاصرة. هل هناك فنّ ومسرح وأدب وشعر وسينما بدون ان تكون المرأة شريكاً وملهماً..؟!، هل يمكن أن يستمر هذا الغياب ثم ندّعي أننا نقدم فنّاً تقدمياً ابداعياً يعبر عن نبض الحياة..؟

ولأن المرأة لم تغب بل «غُيبت» تحت الحاح خطاب موغل في المحافظة، فإن خسارتنا أصبحت أكبر؛ لأننا خضعنا من حيث نعلم أو لا نعلم إلى قوى أجبرتنا قسراً على الخضوع لبرمجتها الفكرية. المجتمع برمته وليس المرأة، خضع لهذه البرمجة التي جعلتنا نسكن كهوف التاريخ، ونحدث قطيعة مع المستقبل، وننظر للعالم بعين الريبة والشك، فضلاً عن انتاج ثقافة التزمت وانعدام التسامح. البرمجة التي جعلتنا اناساً غير طبيعيين مسكونين بالخوف والتوجس وانعدام الثقة بالنفس.

كانت المرأة هي الحلقة الأضعف للقوى التي ارادت الهيمنة على المجتمع وصياغته وفق ما تريد. كحال كل القوى المناهضة للحداثة والانفتاح، كانت تصب جام غضبها على المرأة، منذ «مطرقة الساحرات» حتى عصر الصحوة، كانت المرأة عنواناً للإجهاز على المجتمع وخنق حريته والتضييق على تطلعاته. الجماعات الدينية في نهاية القرن الخامس عشر، حصلت على تفويض من الكنيسة في ألمانيا لمواجهة الأفكار الجديدة تحت عنوان القضاء على السحر والهرطقة، فوضعوا كتاب «مطرقة الساحرات»، كمرشد للإيقاع بخصومهم الفكريين، ومع أن الجميع تعرض للبطش بتهمة ممارسة السحر، إلا أن النساء كنّ أبرز ضحايا هذه الجماعة، حيث شكلت النساء اكثر من 70 في المئة ممن سيق للموت، كانت الدعاية السوداء تصوّر النساء اللواتي سحبن الى المقصلة بأنهنّ السبب في هلاك الزرع، ونزول الصقيع، وكل بلاء آخر يصيب الارض والإنسان..

لن تحدث المعجزات إذا قادت النساء السيارات، ولن نودع مشاكلنا الثقافية والتنموية لمجرد مشاركة المرأة في الحياة العامة، هذا صحيح..!، ولكن ما سنحصل عليه حين تخرج المرأة من الصندوق أن الجميع سيتحمل المسؤولية على قدم المساواة، والجميع سيتقاسم الدور في السباق نحو المستقبل، وسنحصل على قوة دفع هائلة، ونتخلص من سطوة قوى التعطيل.. سنصبح طبيعيين، وهذا يكفي..!