آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

الإمام السجاد والتحصين التربوي‎

من المهم في فهم حقيقة الدور العظيم الذي أداه الإمام السجاد في تحصين الأمة من الآفات التي عصفت بقيمها ونهجها وإرثها القويم، أن نقرأ واقع الناس وما وصلت إليه أحوالهم من سوء وبؤس على المستوى الثقافي والاجتماعي، إذ تعرضت الأمة إلى هجوم شرس من قبل المفسدين الذين عملوا على نشر المجون والانحراف الأخلاقي ودور الرقص والغناء، وذلك لإشغال الناس وإبعادهم عن قضاياهم والمطالبة بحقوقهم الضائعة، وبث الفكر الضحل والسطحي الذي يشغل العقول بالتوافه والانكباب على زخارف الدنيا وتحصيل زينتها بنهم وجشع، وقد عمل المسئولون على تشجيع كل أشكال الفساد المالي والأخلاقي، فقد أشارت المصادر التاريخية إلى ذلك الانقلاب في المشهد القيمي والإيماني للناس عما كان عليه أسلافهم في زمن رسول الله ﷺ، فغابت المضامين التربوية والمكارم الأخلاقية وتبدلت النفوس إلى لغة الغاب والعدوان، وكل ذلك التحفيز إلى هذه الصورة المؤلمة لواقع الناس هو تغييبهم عن الأهداف النهضوية التي دعا لها الإمام الحسين، والتي لو وعاها الناس وتمسكوا بها فإنه سيصيب عروش الفساد والطغيان بالانهيار والضعف، فلم يجد الفاسدون من وسيلة تغسل أدمغة الناس وتحذف منها قيم الحق والفضيلة والاستقامة الخلقية والنهي عن المنكر، إلا بعمل منظم يؤسس للحفلات الصاخبة التي يصاحبها مجون الجاهلية الأولى من معاقرة للخمور والساقطات أخلاقيا، والوصول إلى استمراء واستئناس النفوس لانتهاك الحرمات والملوثات للنفس.

أمام هذا السقوط الأخلاقي والتطور السيء في فكر الناس وسلوكهم، وما يراد بهم من سوء وسقوط مدو، يبرز لنا ذلك الدور الإصلاحي للإمام السجاد والذي يعيد للناس كرامتهم، من خلال تقديم مفردات تربوية ترجعهم لحياض الخشية من الله والفضيلة، وتعيد للنفوس ألقها الإيماني الخالص.

ولا ينبغي إغفال الاضطهاد والتضييق الذي مارسته السلطة تجاه الإمام السجاد والناس، والذي بالطبع سيكون حاجزا من انطلاق الإمام في الفضاء الإصلاحي والتهذيبي، في حركة تتطلب منه مراعاة حالة القحط والظمأ الروحي الذي يعاني منه الناس، بعد أن تعلقت النفوس بالمظاهر المادية واتجهت بكل قواها نحو الدنيا وزينتها، فلم يبق من تعلق إيماني يسكن النفس سوى مظاهر وطقوس عبادية، افتقدوا معها العصمة الإيمانية من مقارفة المنكرات، وعميت البصيرة عن استيحاش الظلم والفساد البواح الذي تعاينه في حالة تفش كبير وممنهج.

ويقف حجر عثرة أمام حركة الإمام الإصلاحية وعائق كبير وهو الرقابة الأمنية لتحركات الإمام وعلاقاته بالجماهير؛ خوفا من تحشيده للناس ضد الطغيان والاستعباد الذي يمارسونه وخصوصا أن الإمام يمتلك رصيدا من محبة في قلوب الناس واحترامهم.

فما كان من الوعي الرسالي وتحمل المسئولية الملقاة على عاتقه في إرشاد الأمة، إلا محركا للإمام السجاد في بث اليقظة الروحية في النفوس عن طريق مدرسة الدعاء، في مهمة تهذيبية للنفوس من ممارسة الخطايا، وقطع علائق العشق في النفوس بحطام الدنيا الزائل، حيث أن الأمراض الأخلاقية الفتاكة والتي تهاجم عقائد الناس وقيمهم، تحتاج إلى تحصين ضروري لهم من خلال التلقيح الواقي من تدميرهم وانحرافهم، وهذه التوعية الإيمانية والتهذيلية من خلال الدعوة إلى تزكية النفس والتذكير بالمآل والمصير الأبدي، والتنبيه إلى خطورة حب الدنيا وما يستتبعه ذلك من غفلة وضعف نفسي أمام تسويلات الشيطان، كل ذلك تضمنتها أدعية الإمام السجاد المتنوعة، فتتغلغل في النفوس تلك القيم من خلال تفعيل الوجدان المتبلد.