آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

مخاض ولادة نظام عالمي جديد

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

أسبوع غير عادي، من حيث أحداثه السياسية الكبيرة، الصاخبة والمتنوعة، وأيضاً من حيث امتداد هذه الأحداث على مستوى كوكبنا الأرضي. فمن تتابع ردود الأفعال الإقليمية والعربية، على استفتاء «كردستان العراق»، ومؤتمر في الرمادي، من قبل بعض وجهاء السنّة، لتأييد استفتاء الأكراد، كخطوة للمطالبة بوجود إقليم سنّي مماثل للذي يتطلع إليه الأكراد، كمقدّمة لتقسيم نهائي لأرض السواد، إلى تبشير بقيام دولة كردية أخرى، في سوريا، ومناورات تركية - عراقية مشتركة على الحدود في رسالة واضحة إلى البرزاني.

وفي القارة الأوروبية، تنامٍ واضح للنزعات الانفصالية، ففي خلال هذا الأسبوع، صدر إعلان مؤجل لاستقلال كاتالونيا الإسبانية عن المركز، لحين إجراء حوار حول ذلك مع الحكومة الإسبانية. وقد جاء هذا التأجيل، بعد تهديد إسباني واضح باعتقال رئيس الإقليم ومحاكمته، لخروجه على القوانين الإسبانية، وتهديده وحدة البلاد.

ومن جهة أخرى، شهدت الأيام الأخيرة، تصعيداً أمريكياً ضد روسيا وإيران، يتمثّل في زيادة عدد القوات الأمريكية المتواجدة في بولندا، لتصل إلى مستوى فرقة عسكرية، حسب تصريحات روسية رسمية، وإعلاناً آخر، من قبل الرئيس الأمريكي ترامب، بضرورة مراجعة الاتفاق النووي الإيراني، ووضع حد للتطور السريع في الأسلحة البالستية، وإيجاد صيغ لمراقبتها، واعتبار الحرس الثوري منظّمة إرهابية، واتهامات مباشرة لحزب الله اللبناني، بتهديد الأمن القومي الأمريكي. ويواجه هذا القرار في الداخل الأمريكي، برفضه من قبل قيادات متنفّذة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، باعتبار ذلك سابقة خطرة، في نقض اتفاقات سابقة، ربما تحول دون الثقة مستقبلاً، من قبل دول العالم بالتعهدات الأمريكية، وأيضاً رفض أوروبي بالتماهي مع رغبات الحكومة الأمريكية في هذا الاتجاه، وردّ روسي مقابل، باحتجاج على التواجد العسكري الأمريكي، قرب الأراضي الروسية في بولندا، واعتبار ذلك تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي، ويصعّد الروس مواقفهم ضد سياسات ترامب، بتصعيد آخر في سوريا، يصل حد اتهام إدارة ترامب بالتواطؤ، بل وبالتنسيق مع «داعش» في معركة دير الزور، ويصل التصعيد حد مطالبة وزير الدفاع الروسي، ووزير الخارجية، بإلغاء التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب على الأراضي السورية، الذي تقوده الولايات المتحدة، كونه بات عبئاً في الحرب على الإرهاب، وليس أداة محاربة له. ويعزز هذا التصعيد، بإعلان روسي صريح، بأن روسيا سوف تستخدم القوة للحيلولة دون إعادة عرض ملف السلاح الكيماوي السوري في مجلس الأمن الدولي، بما يعني أنها سوف تتصدّى لذلك، باستخدام حق النقض الفيتو، لمنع صدور أي قرار من المنظمة الدولية، يدين الحكومة السورية، باستخدام هذا السلاح في معاركها العسكرية المستمرة داخل سوريا، منذ أكثر من ست سنوات.

وفي فلسطين، قامت الحكومة المصرية، بتحقيق مصالحة بين حركتي فتح بالضفة الغربية، وحماس بقطاع غزة، وتم التوصل إلى اتفاق بتوحيد الضفة والقطاع، وإخضاع القطاع لسيطرة الحكومة الفلسطينية، التي يرأسها رامي الحمد الله، وبقيادة الرئيس أبو مازن. وفي هذا السياق هل يعني ذلك انزياحاً في علاقة حماس بتركيا وقطر، أم أن ذلك مجرد موقف تكتيكي، فرضته حالة الحصار القاسي الذي عاناه القطاع، وعدم قدرة الحركة على الصمود، وتماهي هذا الموقف، مع متغيرات في مواقف الحركة السياسية، تجاه الصراع الفلسطيني مع الكيان الغاصب.

وإذا ما أخذت جميع هذه التطورات، في سياق المتغيرات في موازين القوى الدولية، لصالح انتهاء مرحلة الأحادية القطبية، وأيضاً بروز قوى حيّة جديدة، بعضها ينهج سياسة المواجهة الصريحة، والمباشرة، كما في حالة روسيا الاتحادية، وبعضها الآخر يتنافس اقتصادياً، ويتقدّم بشكل كاسح، ويبني قوته العسكرية، بهدوء وبثبات أيضاً، كما هو الحال مع الصين الشعبية، وإذا ما تم ربط ذلك بدعم الصين الواضح والصريح، لكوريا الشمالية، اقتصادياً، ومساعدتها في بناء ترسانتها العسكرية، أمكن القول، إن ثمة تحولات كبرى في موازين القوى تجري في العالم، بالضد من تفرّد الإدارة الأمريكية، بالهيمنة على العالم، والتفرّد في صناعة القرارات الأممية.

وفي هذا السياق أيضاً، نشير إلى نمو متزايد في النزعات الاستقلالية السياسية، لكل من ألمانيا وفرنسا، وتعمّدهما الافتراق في كثير من السياسات عن حليفهما اليانكي الأمريكي، بما يعني تراجع نفوذه السياسي في القارة الأوروبية، وأن مرحلة التبعيّة السياسية الكاملة للقارة الأوروبية، لسياسات أمريكا قد باتت من الماضي.

وليس من شك، في أن التحوّلات الدراماتيكية في سوريا، لصالح سيطرة الدولة على معظم الأراضي السورية، وتغيّر خريطة التحالفات بالمنطقة، حيث تنسّق الحكومة الأردنية، مع الحكومة السورية، على الحدود الجنوبية، وتتدخل تركيا عسكرياً في إدلب بتنسيق مع روسيا الاتحادية، ويجري تحالف تركي - إيراني - روسي في إدارة الأزمة، وأيضاً في التعاون حول مشاريع اقتصادية مشتركة، فرادى وشراكة بين هذه البلدان الثلاثة، كلّها جميعاً تشير إلى تغيّر في المناخ السياسي بالمنطقة والعالم، باتجاه تسويات سياسية جديدة.

هذه التحوّلات التي تأخذ أحياناً طابع الفوضى، وأحياناً أخرى، تجري بشكل منظّم، تشير جميعها، إلى أن تشكلات وأحلافاً سياسية وكتلاً اقتصادية وعسكرية، سوف تبرز في الأيام القادمة، على أساس القسمة بين القوى الكبرى الحيّة القادرة على فرض قراراتها وإرادتها، وفي المقدمة منها روسيا الاتحادية والصين الشعبية، ولن يكون مستبعداً أن تلحق الهند ودول أخرى مهمة بهما.

ومن جهة أخرى، تعمل الولايات المتحدة، على تعزيز تحالفاتها التقليدية في العالم، وليس من المستبعد تشكيل تحالف عسكري جديد في المنطقة بقيادة أمريكية، لمواجهة طموحات إيران، لكن ذلك في حقيقته سيكون جزءاً من الترتيبات الجديدة لانبثاق نظام عالمي جديد.

ما نشهده من فوضى كبيرة وعارمة، بشكل أفقي في المسرح الدولي بشكل عام، هو مخاض الولادة للنظام الدولي الجديد، والأيام حبلى بأحداث كبرى، لحسم معركة التسويات الدولية، وليس علينا سوى الانتظار.