آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

تدفق المعلومات واللعبة

محمد الحرز * صحيفة اليوم

قبل أكثر من عقدين من الزمن، لم يكن أحد ممن يرتبط بهموم الشأن الثقافي بوجه عام، كتابة وقراءة، يتصور التحولات المفصلية السريعة التي طالت هذا الشأن، سواء على مستوى تطور الوسائل والتقنيات التي تتصل بكيفية الوصول للمعلومة والحصول عليها، أم على مستوى تدفقها وانتشارها وتنوع حضورها في جميع ميادين العلوم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. الأمر الذي أتاح المعلومة للجميع صغار الناس وكبارهم، من له باع طويل في الثقافة ومن لم يكن كذلك، من له خبرة في إدارتها، ومن له تفكير سطحي إزاءها، وكأن الأمر - باستثناء القلة من أصحاب العقول النيرة بالطبع - لا يعدو كوننا أمام لعبة البحث عن الغرفة السرية في متاهة البيت الكبير. المعلومة مجرد لعبة، هذه هي الخلاصة عند عموم المجتمع.

لكن السؤال الذي يطرق ذهني الآن: لماذا هذا التشبيه، وبالتالي ما الذي يترتب عليه؟ أولا: الإدراك البشري لا يستوعب التدفق الهائل للمعلومة، إنه يقف أمامه مثل الرجل المأخوذ بمنظر الجبل الكبير الذي يتدفق منه شلال عظيم دون توقف. فلم يسبق اطلاقا للعقل البشري أن بنى منظومته الفكرية على مرجعية بهذه الكيفية من التنوع والكثرة والسرعة في التحول للمعلومة. فجل المفكرين والفلاسفة والكتاب عبر التاريخ حققوا منجزاتهم عبر القليل المتاح من المعرفة البشرية مقارنة بالمتاح منها في الوقت الحاضر، وهذا ليس حكم قيمة، وإنما فقط توصيف للظاهرة.

ثانيا: هذا ما يجعلني أشبه حضور المعلومة وأثرها في الأوساط الاجتماعية باللعبة كون اللعبة تعطي إحساسا باللذة واللامسؤولية في ذات الوقت، وتخفف أيضا من الضغط النفسي أو التوتر الكامن في لا شعور المتلقين أو المتصفحين للمواقع على الانترنت أو التواصل الاجتماعي، نتيجة الشعور بالعجز أمام عدم السيطرة على المعلومة وتدفقها.

ثالثا: يترتب على مثل هذا التشبيه كون شروط اللعبة خاضعة للتبدل والتغيير في أي وسط ثقافي اجتماعي تحضر فيه، وهذا يعني بالدرجة الأولى أننا أمام انحسار تام لأي تقاليد قائمة سواء لشروط الكتابة أم القراءة كما هو الشأن في زمن ما قبل الانترنت.

ولأضرب مثالا لذلك، وأختم به: سابقا كنا نتلقى المعلومة من الكتاب باعتباره المصدر الوحيد، وكنا بالضرورة خاضعين لطريقة معينة للتلقي تتسم بتقاليد راسخة سواء على المستوى الأكاديمي أو خارجه، طريقة يمكن وصفها بالرأسية، فنحن نتداعى مع الكتاب ضمن حدود حجمه المادي فيحيلنا بالتالي بمعلوماته إلى كتاب آخر في ذات السياق أو المجال وهكذا دواليك. بينما الآن الوضع اختلف عشرات المعلومات تظهر لك على الشاشة من خلال المتصفح، ليست بينها علاقات وثيقة سوى اللفظ الذي كتبته في غوغل.