آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

المقهى.. الثقافة.. العالم

محمد الحرز * صحيفة اليوم

في الأحساء كما أظن - على الأقل - في الستينيات وما تلاها من عقود، لم تكن كلمة «الثقافة» متداولة في الأوساط الاجتماعية المتعلمة ناهيك عن أوساط عامة الناس، فالكلمة حتى وإن كانت متداولة على ألسنة الناس هنا وهناك، فهي لا تعني في مدلولها الأكثر شهرة سوى أمرين: الأول يطلق على الرجل الذي أكمل السلك التعليمي ووصل إلى مراتبه العليا، بينما الآخر يطلق على رجل الدين الذي حاز على قدر لا بأس به من العلوم الدينية الشرعية. وكلا النموذجين يمثلان قطبي الرحى في تاريخ الأحساء «الثقافي». وهذا التاريخ يزخر بقصص وحكايات تعطي انطباعا لمتلقيها على بروز الروح المتوثبة لطلب العلم والمعرفة في حدود هذين النموذجين. هذه مقدمة ضرورية حتى أصل إلى صلب الموضوع الذي أود طرحه في هذه المقالة كما أتمثله بالسؤال التالي: هل هناك نماذج أخرى ارتبطت بكلمة الثقافة خارج إطار هذين النموذجين؟ وإن وجد مثل هذا النموذج. فمتى وفي أي فضاء أو سياق؟

لا أنوي الدخول في تفاصيل دقيقة، هذه تحتاج إلى باحثين متخصصين، وأنا لست واحدا منهم. لكن ما أود الالتفات إليه في الباقي من هذه المساحة المتاحة شيئان مهمان: الأول منهما يتصل بالشروط المكانية التي استدعت أن تتحول كلمة «الثقافة» من مجال إلى آخر، من مدلول النموذجين السابقين إلى مدلول آخر يتشكل في نموذج، سأزعم - ثانيا - أنه يتمثل في فضاء المقهى سواء الشعبية منها أو الحديثة، وهذا الشرط المكاني أبرز حالة ثقافية لم تكن معروفة سوى في المدن العربية الكبرى كالقاهرة وبغداد وبيروت ودمشق بمقاهيها العريقة، وأتاح للناس بالتالي أن يتداولوا كل شأن يخص الثقافة التقليدية أو ثقافة العادات والتقاليد أو الثقافة المعاصرة في فضاء لم يخبروا مثله لا في المدرسة أو في دور العبادة أو في بيوت ما كانت تسمى «المطوعة أو المطوع» الذي يدرس الأولاد ويعلمهم القرآن الكريم. صحيح أن هذا الفضاء لم يقطع تماما مع كل ما عداه من فضاءات ثقافية أخرى، بحيث لم يخلق نموذجا ثقافته تقطع صلتها بتاتا بثقافة النموذجين الآخرين. لكنه أتاح من جانب آخر، وبفعل أيضا سرعة التحولات المعرفية في العالم، أن يكون المقهى عالما مصغرا لا يعكس الخبرات الثقافية التي تنتجها ذوات تتحادث وتتحاور على جميع الأصعدة والمستويات، وإنما تعكس أيضا نظام العالم الذي نعيش فيه، وهذا ما يجعل الثقافة التي ترتبط بفضاء المقهى أكثر ارتباطا وتأثرا بما يجري في العالم من تطورات، وبما يقع فيه من أحداث. وهذا الأمر يجعل مدلول كلمة «الثقافة» يفقد الصلة بروابطه السابقة شيئا فشيئا.