آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

إدارة العمل

الشيخ حسين المصطفى

في الحديث الصحيح: ”مَنْ تَسَاوَى يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ، وَمَنْ كَانَ أَمْسُه أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِهِ فَهُوَ مَلْعُونٌ، وَمَنْ لَمْ يَرَ الزِّيَادَةَ فِي دِينِهِ فَهُوَ إِلَى النُّقْصَانِ، وَمَنْ كَانَ إِلَى النُّقْصَانِ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ“.

بداية الحديث:

الحياة من حولنا مليئة بالمتغيرات والأحداث المتلاحقة.. لذلك علينا أن نطوّر من أنفسنا باستمرار. ولا يوجد في الحياة شيء اسمه «أنا في نفس المكان»، بل يوجد شيء يقول «أنا متقدم بالنسبة لواقع الحياة من حولي». أو «أنا متأخر لما هو محيط بي». وهذا مفهوم يجب أن يُعرف.

والقرآن الكريم يؤكد على أهمية إدارة عمرنا على أصعدة متنوعة:

«أ» ففي الشأن العام: يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، وهذه الآية الشريفة تعالج سنّةً من سنن الله في الكون والإنسان، في الخلل الذي يصيب الواقع، سواء كان هذا الخلل خللاً ثقافياً أم دينياً أم اجتماعياً..

فالآية تؤكد أنّ الله سبحانه جعل هذه الأرض في عهدة وإدارة الإنسان، وأراد له أن يمارس مسؤوليته في إصلاحها، وفي إيجاد قاعدة توازن في كل أوضاعه، وأعطاه العقل الذي يدرك به حقائق الأشياء ويخطِّط به حركتها..

وعلى ضوء ذلك.. فإنَّ الإنسان هو الذي يصنع الفساد، وهو الذي يصنع الصلاح، في إدارته للواقع العام في الأرض.

«ب» وفي شأن الأسرة: يقول الله عز وجل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ. فالآية تتحدث عن القوامة في خطِّ المسؤولية، فالرجل هو المسؤول عن البيت. وعلى أساس أنه يتحمل إدارة شؤون البيت؛ فهو الذي يجب عليه أن ينفق على بيته. ولكن هذه المسألة تمثّل الخط العام، بمعنى أنّ خط المسؤولية التي يتحملها الرجل في بيت الزوجية هو ذلك، ولكن من الممكن جداً، لا على أساس التشريع، وإنّما على أساس حركة الواقع، أن تكون بعض النساء أكثر عقلاً، وأكثر قوةً وإمكانات في إدارة البيت الزوجي وفي الإنفاق عليه. لذا تكون هذه المرأة - من ناحية واقعيّة - هي التي تملك إدارة البيت. ولكنّ القوامة اعتبرت للرجل نتيجة كونه أكثر قوةً من المرأة - غالباً - وأكثر قدرةً من الناحية المالية على ذلك. ومع ذلك، فإنّ هذا المعنى يتأتّى على أساس التفاهم بين الرجل والمرأة.

«ج» وفي شأن المال: ﴿وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ باللَّهِ حَسِيباً.. أي: اختبروا وامتحنوا، وهذا خطاب لأولياء اليتامى، فلا بد لهم بعد البلوغ من اختبار وعيهم العملي وقدرتهم على إدارة أموالهم في ما يصلحها ولا يفسدها من خلال القابلية العقلية المنفتحة على الأشياء في الواقع، فهذا هو الشرط الشرعي لدفع أموالهم إليهم.

وحتى ننطلق في هذه الحياة، ونعمّر للآخرة جيداً، فما علينا إلا أن نستفيد من تجارب الحياة لتتقدم، ونسعى في الدنيا ونحن مطمئنين، ونترقى في الآخرة بإذن الله لأنّ الميزان الإلهي في القرآن يقول ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا.

فالحديث إذن عن موضوع مهم يحتاجه كل إنسان لأنه يساعده على «ترتيب الحياة»، ففي بداية القرن العشرين ابتدأ اهتمام الإنسان ينشط في علم إدارة الوقت، واهتم بوضع جداول الأعمال، فإنّ تحديد الإنسان لما يجب عليه أن يفعل، لم تعد من الأمور الروتينية كما يتوهمه الكثير منا.

بل إنّ كتاب المفكر الأمريكي الشهير مايكل هارت بعنوان «المائة قائمة بأكثر الشخصيات تأثيراً في التاريخ»؛ حيث تمت مناقشة الكاتب في أسباب وضعه الرسول محمد ﷺ على قائمة أكثر عظماء التاريخ تأثيراً في تاريخ البشرية، وهو الأمر الذي فتح النقاش فيه مايكل هارت نفسه، وطالب كل من لديه آراء مخالفة أن يتقدم له بها، وكذلك طالبَ كل من لديه شخصيات لم ترد في قائمة المائة شخص التي وضعها، وقد وضع الرسول ﷺ رقم «1» لأسباب موضوعية تتعلق بمعايير ما يعرف في علم الإدارة بمعايير وسمات ”القائد المغير لآفاق الأوضاع على نحو إيجابي“، وقد غيّر هذه القائمة على مدى السنين طبقاً لما يأتي إليه من بيانات مستجدة ممن يحاورونه، وفي كل سنة يحدِّث كتابه الشهير هذا ويغير مواقع كثيرين بعد النقاش معهم، إلا أنه لا يزال يضع الرسول محمداً ﷺ على قمة القائمة.

فإدارة العمر، بمعنى أنّ حياتنا نفسها لا بد أن تتجه في اتجاه واضح، والأهم بدلاً من أن أبرمج ساعتي، - كما يقول ستيفن كوفي مؤلف «العادات السبع لأكثر الناس إنتاجية» -، هو أن أبرمج بوصلة حياتي، بمعنى في أي اتجاه أريد أن أسير..

ويمكن مراجعة كتاب «إدارة الذات» لأكرم العدلونى - وهو تلخيص لكتاب إدارة الأولويات لكوفي وغيره من الكتب - مرجعاً تستفيدون منه للتعمق في الموضوع.

فالبداية تتجه في الإجابة على مجموعة أسئلة لا بد أن نجيب عليها بوضوح، والملاحظ أنّ غالبية الناس لا توجد إجابة عندهم على بعض الأسئلة الرئيسية، وقد تكون عندهم لكنها غير واضحة، وقد تكون عندهم لكنها غير مكتوبة، وقد تكون عندهم لكنها غير مبلورة، وهذه الأسئلة هي للتأمل، والتفكير الملي، قبل الإجابة.

الأسئلة العامة:

الأسئلة التي نهدف الوصول هي:

السؤال الأول: لماذا أعيش؟ ولماذا أحيا؟

نحن كمسلمين لدينا إجابة ربانية، فالله سبحانه وتعالى لم يتركنا سدى، وأرشدنا إلى طريق مستقيم، لا نَضيع فيه، وقد حدد لنا الله سبحانه الطريق، إذ يقول سبحانه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ.

وفي هذه الآية كلمتان تتعاكسان وتتكاملان وهما: «الخلق» و«العبادة»، فيبدو أنّ الآية تبين العلاقة بين الله والإنسان، كما توضح الصلة بين الإنسان وبين الله، فعلاقة الله بالإنسان هي علاقة الخلق، فهو الذي خلق، أما صلة الإنسان بالله فينبغي أن تكون صلة العبادة.. إننا نستطيع أن ندرك عمق كلمة العبادة إذا عرفنا عمق معنى كلمة الخلق؛ لأنّ هذه الكلمة تتواجه وتتعاكس مع الكلمة الأخرى، فما هو إذن الخلق؟

إنّ الخلق كلمة واحدة تدل على ثلاثة معان أساسية:

1 - إنّ الإنسان - كما هو حال سائر الكائنات - عبارة عن حقيقة قائمة لا وهم، وهذه المخلوقات قائمة وذات وجود عيني وواقعي.

2 - إنّ هذه الكائنات قائمة بغيرها لأنها ليست وجودات ذاتية وإلا لم تكن محتاجة إلى الخلق، وعلى هذا فإنّ هناك حياً قيوماً قائماً بذاته ومقيماً لغيره.

3 - وهو المهم أنّ كل شيء مخلوق قابل للانتهاء، أي أنه قابل لأن يصغر وقابل لأن ينمو ويكبر في نفس الوقت، فالله تعالى قد جعلني من حفنة تراب، فأصبحت هذه الحفنة الترابية إنساناً سوياً فيه من الآيات والمعاجز ما لا يحصى.

وعلى هذا فإنّ من معاني الخلق الأساسية قابلية النمو؛ أي أنّ كل شيء من الممكن أن ينمو ويتطور ويتسامى ويتعالى.

وتأسيساً على ما سبق تتحصل لدينا ثلاثة معان هي: أنّ الشيء قائم، وأنه قائم بغيره، وأنه ممكن الزيادة والنمو، وعلى هذا فما دام الإنسان من الممكن أن يغنى ويتقدم فلا بد أن نسأل الله الغنى والزيادة، والزيادة هنا تعني العبادة، والعبادة تعني إضافة فكرة وبصيرة جديدتين، وهنا لا بد من التأكيد أنّ الزيادة يجب أن تكون في الاتجاه الصحيح، لأنّ بعض الزيادة تمنع المزيد كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف: ”رُبَّ نِعْمَةٍ خَلَقَت حَسَراتٍ“.

وهناك بعض النعم والزيادات تكون مانعة عن المزيد، كأن يزداد الإنسان علماً ولكنه لا يزداد مع هذا العلم تواضعاً، فزيادة العلم هذه ستضر به لأنّ الحديث الشريف يقول: ”مَنِ ازْدَادَ عِلْماً وَلَمْ يَزْدَدْ تَوَاضُعاً مَا ازْدَادَ عَنِ اللهِ إِلَّا بُعْداً“، وكذلك الحال بالنسبة إلى زيادة المال، وإلى الحصول على الجاه والسلطة، فقد يكون كل ذلك سبباً لعدم نمو الإنسان.. فالزيادة يجب أن تكون في الطريق الصحيح وحينئذ تكون «عبادة».

إذن نتميز - كمسلمين - أنّ كلمة العبادة عندنا لها مفهوم خاص، أما عند مفهوم غيرنا فينظرون للعبادة على أنها شعائر، فالعبادة لا تكون إلا في الكنيسة، وفي يوم الأحد فقط، وأما الحياة فلا علاقة لها بالعبادة.

فالمسلم ينظر إلى العبادة بمفهوم شامل للحياة ولذلك يعتبر أنّ كل شيء يفعله ممكن أن يكون عبادة، إذا فعله بنية صالحة، وقصد به وجه الله وطاعته، ولذلك جاءت الأحاديث تؤكد ذلك، وفى الحديث ”حَتَّى اللُّقْمَةَ يَضَعُهَا الرَّجُلُ فِي فَمِ زَوْجَتِه، لَهُ فِيهَا أَجْراً“، حتى المداعبات الزوجية يمكن أن تتحول إلى عبادة ويكون للإنسان له فيها أجر، بل أكثر من هذا، حتى النوم إذا قصد به التقوّي على طاعة الله عز وجل والاستعداد مثلاً لقيام الليل، سيؤجر عليه الإنسان.

يقول الله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، فالأولياء في ديننا ليس لهم شكل خاص، وليس لهم ملابس خاصة، وليس كما يقولوا رجال دين، ليس هكذا نفهم الدين ونفهم الأولياء، وإنّما تجدهم في كل أصناف أمة محمد ﷺ، تجدهم في التجار والصنّاع والزرّاع، في الحدادة، في كل أصناف أمة محمد ﷺ.

فكيف نميزهم؟ ومن هم؟.. هم: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، إذن المؤمن التقي، بغض النظر عن خط سيره في الحياة، بغض النظر عن وظيفته، ممكن أن يكون ولياً من أولياء الله، أي حتى تكون من أولياء الله، ليس المطلوب منك أن يكون لك شكل معين أو وظيفة معينة أو طريقة في الحياة معينة، سوى أن تستقيم على الإيمان والتقوى بغض النظر عن وظيفتك، ولذلك ما جاء الإسلام ليغير أعمال الناس إلا ما كان محرماً منها، فليس المطلوب منك أن تغير وظيفتك، بل من الممكن أن تسخّر وظيفتك لهذا الهدف العظيم، وهو أن تحيا لله رب العالمين، تكون عبداً لله، في كل مجالات الحياة.

ويبقى السؤال الذي بدأت به، كيف أحيا بحيث أعبد الله عز وجل، ويقول الله سبحانه ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا، فالإنسان المسلم مطلوب منه أن يعمر الأرض، والذي يحيا على هامش الحياة، وعلى هامش التاريخ، ليس له وزن، ليس له عطاء، ليس له عمران، ليس مشاركاً في إسعاد البشرية، ولم يحقق هذا الهدف القرآني المطلوب وهو استعمار الأرض.

السؤال الثاني: ماذا سأحقق في حياتي؟

إنّ حقيقة العبادة التي جاءت الإشارة إليها في قوله تعالى: ﴿لِيَعْبُدُونِ هي التحرك في مناهج الله، فالعبد الحقيقي هو الخاضع والمسلِّم أمره لله تعالى.

نستنتج من كل ذلك أنّ الإنسان خلق لينمو ويتقدم ويسير نحو الله: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ، حتى يصل إلى لقائه سبحانه: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ.. وعلى هذا فإنّ الهدف من خلق الإنسان هو أن ينمو ويتكامل، فالإنسان الذي لا ينمو ولا يتكامل لا يزداد قرباً من الله تعالى مع مرور الزمن، فالأولى به أن يموت؛ و"مَنْ كَانَ إِلَى النُّقْصَانِ أَقْرَبُ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْحَيَاةِ؛.

فالإنسان المسلم، بل حتى الإنسان الطموح - ولو لم يكن مسلماً - لا يمكن أن يحيا بغير انجاز، وانجازك أيها المسلم أن تلقى به الله عز وجل.. إذن تخيل نفسك وعمرك ثمانون سنة، وأنّ الذي تمنيته حققته، أريدك أن تتخيل شكلك، أشكالنا الآن مقبولة، والجسم ما زال لم ينحنِ، والوجه ما زال به بعض آثار من شباب، اجلس وفكر:

هل هي حياة أنت فخور بها؟

هل أنت من الذين حققوا انجازات عظيمة؟ أم أنك تشعر أنها ضاعت؟!!

أريد من كل واحد وهو يقف هذا الموقف ويعيد شريط حياته، أن يكون وهو يستعرض هذه الحياة يشعر بالرضا، رضا أنه حقق هذه الطموحات التي يتمناها، أنه كان له أثر في الحياة وفى صنع الأرض واستعمارها وبنائها وفق ما يرضى الله عز وجل، ويشعر برضا الله سبحانه أنه عاش لله.

السؤال الثالث: هل أنا سعيد؟

هذا السؤال هو نتيجة لكل ما تقدم، ومعظمنا لا يفكر بهذا السؤال أصلاً، وبعضنا إذا سألته هذا السؤال لن يكون صادقاً في إجابته.

وبطبيعة الحال لن تتبين حقيقة الإجابة على هذا السؤال، إلا عندما يكون الإنسان وحده، وعندما لا يكون لديه أية مشاغل، جالساً يفكر في نفسه، وفي حياته، وفي علاقاته.

وهو سؤال محير ولكنه يحتاج إلى إجابة صادقه في النفس، فكل إنسان في هذه الدنيا يبحث عنها والكل تائه ولا يعرف أين هي. وكثير من الناس يمثل أنه سعيد، ويضحك، ويبتسم، ولكن عندما يجلس بينه وبين نفسه، يشعر أنه يريد أن يبكي من شدة التعاسة والألم.

لو أجبت على هذا السؤال للناس، قد تخدع الناس، وإذا سألتك هذا السؤال ستخدعني، لكن لن ينفعك هذا بشيء..

أريدك أن تفكر لنفسك ولأجلك، هل أنت سعيد؟

هذا السؤال ينبع من الأسئلة السابقة: لماذا نحيا وكيف نحيا؟ ما الذي سننجز؟

فكلما كانت الحياة واضحة والإنسان يسير وفق مبادئ وقيم وأهداف، كلما كانت السعادة أعمق وأعلى، فهذا السؤال يتطلب وضوحاً وصراحة مع النفس، وأرجو أنّ الواحد يجلس جلسات تأمل وخلوة ذاتية - لا زوج ولا أولاد ولا تليفزيون ولا محمول - أجلس على الأقل ساعتين، لا تجلس «5» دقائق، اجلس وتأمل في حقيقة ذاتك، في حقيقة تفكيرك، في مدى ارتياحك، في مسار حياتك، إلى أين تتجه؟ أين كنت؟ أين وصلت؟

السؤال الرابع: هل أنا صادق «مع نفسي وفي علاقاتي»؟

هل أنت صادق في كل علاقاتك، هل أنت صادق في كل ما تقول، أم تخفي أحياناً بعض الحقيقة، أو تتجاوزها أو تغطي عليها، هل أنت صادق في تعبيراتك، في عواطفك.

هذه هي الأسئلة الرئيسة في أولويات الحياة، دعونا نفكر في الإجابة على هذه الأسئلة، بل دعونا نفعل أكثر من ذلك، أن نضع خطة للوصول إلى إجابات صحيحة ومريحة عن هذه الأسئلة، ألا ترغب أن تعرف بوضوح لماذا تحيا؟ وتعرف كذلك، ماذا ستحقق في حياتك؟ وتكون سعيداً وصادقاً، إذا كنت تريد ذلك، فأكمل معي..

أنا لا أريدكم أن تجيبوا على هذه الأسئلة الآن، بل أجيبوا عليها بينكم وبين أنفسكم، بحيث يمكنكم أن تراجعوها باستمرار، وأن تقفوا عندها باستمرار، وأن تتأملوا فيها، في كل يوم من أيام حياتكم.

إذا كان السؤال له إجابة واضحة اكتبوه، وإذا لم تكن له إجابة واضحة لا تستعجلوا، بل اجلسوا جلسة تأمل، وأحياناً جلسات تأمل حتى تجيبوا على السؤال لكي تكملوا المشوار، عندها نستطيع أن نطور حياتنا ونطور ترتيب أولوياتنا.

يبين لنا الإسلام أنّ حياتنا عبارة عن سفر ينبغي أن ينتهي إلى الله ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ. وأنّ هناك محطات أو مراحل يطويها الإنسان في سيره لبلوغ المقصد النهائي، وإحدى تلك المراحل تتجلى فيها الإدارة الصحيحة للبشر. وهو ما تسمى ب «السفر من الحق إلى الخلق».

ويذهب جلال الدين الرومي إلى أنَّ الإنسان مفطور على الحركة نحو المطلق؛ ذلك لأنَّ الانسان مخلوق من ”طين“. والطين يرمز إلى كل النزعات الهابطة في الإنسان.. لكنَّ هذا الطين الذي جبل منه الموجود البشري فيه نفخة من روح ربّ العالمين.

وهو تعبير عمّا في هذا الإنسان من قوة غير متناهية على الإبداع والتطوير... فهي أبداً في شوق الى أصلها، وهذا هو سبب شوق الانسان الى السموّ والكمال.. لذلك كان الوصول إلى الغاية مقروناً دائماً بجهد جهيد ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ.