آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

وحده الشعب الفلسطيني يرسم طريق النصر

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

شباب فلسطين، في باب العامود، بالمدينة المقدسة، وعلى الحواجز الأمنية التي تفصل القطاع عن بقية الأراضي الفلسطينية، وفي كافة مدن وبلدات الضفة الغربية، وفي مدن وبلدات فلسطين التاريخية التي جرى احتلالها عام 1948، يرسمون جميعاً خريطة الطريق لمنع تهويد القدس، ولتأكيد حقهم في تقرير حق العودة وتقرير المصير، كما رسم من قبلهم، أطفال الحجارة، بملاحمهم البطولة طريق النصر.

صورة الشهيد، إبراهيم أبو ثريا، فلسطيني من غزة، فقد ساقيه، في العدوان على القطاع عام 2007م، ولم يمنعه ذلك، من مواجهة الاحتلال، سقط في جمعة الغضب، هذا الأسبوع، عند الحاجز الأمني، ومعه ثلاثة آخرون من الشهداء، وعشرات الجرحى، وهم يتحدون بصدورهم، العارية، غطرسة المحتل، ليتأكد، من جديد، أن شعباً حياً بهذا الكبرياء والشموخ، لا يمكن أن يهزم، وليس بالإمكان أن تضل بوصلته.

الموقف العربي والإسلامي المساند للفلسطينيين، هو بالتأكيد رصيد يرفد الفلسطينيين في كفاحهم، ولكنهم يظلون وحدهم عنوان التحدي والصمود. وفشل الوسطاء والراعي الأمريكي، طوال خمسة عقود، من عمر الاحتلال، يعود بالدرجة الأولى، إلى حالة الاسترخاء، والتعويل على تلك الوساطات. فالعدو المحتل، لن يتراجع أمام الضغوط الدبلوماسية، إن وجدت، ولكنه وكما أكدت الأحداث التاريخية، طوال صراعنا معه، يتراجع أمام قوة المقاومة الشعبية، والكفاح المستمر، ضد غطرسته وجبروته.

انتفاضة أطفال الحجارة، كان لها ليس فقط أن ترسم طريق التحرير ولكن كان بإمكانها انتزاع النصر، لو لم يتم اختطافها، مقابل عملة مزيفة، أطلق عليها بيان الاستقلال، وكانت هذه العملة، نقطة البداية، في الدخول بمفاوضات أوسلو، التي عبدت الطريق للصهاينة، لمضاعفة أعداد المستوطنات عدة مرات، منذ جرى توقيع هذه الاتفاقية، عام 1993، وبناء الممرات والجدران العازلة، وهدم البيوت، وتجريف الأراضي الزراعية، وزيادة حجم مدينة القدس، عدة مرات، لكي لا تدخل ضمن أراضي السلطة الفلسطينية، التي وافقت في حينه على تأجيل مناقشة أوضاعها، وأوضاع عودة اللاجئين الفلسطينيين، إلى المفاوضات النهائية، بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاقية، ولكن تلك المفاوضات لم تبدأ، ولن تبدأ أبدا.

لقد شهد الفلسطينيون بأم أعينهم، كيف تآكلت حقوقهم، وما تبقى من أراضيهم خارج السيطرة الصهيونية، من الأراضي التي احتلت عام 1967م، هو أقل من النصف، بحيث يمكن القول، بقليل من الحذر، إن الفلسطينيين، لم يعد لديهم ما يتفاوضون عليه مع الاحتلال.

الحديث عن استمرار المفاوضات، بوسيط، أو راعي آخر، هو تعويل على الوهم. فالصهاينة، لم يخضعوا يوماً، للقانون الدولي، ولا لقرارات مجلس الأمن. وضربوا بعرض الحائط كل المبادرات والاتفاقيات والمعاهدات، التي جرت منذ الاحتلال حتى يومنا هذا. والإدارات الأمريكية، المتعاقبة، التي حملت ملف الراعي والوسيط، منذ جورج بوش الأوسط، واستمراراً بالرئيس بل كلينتون، إلى جورج بوش الابن، وباراك أوباما، بقوا جميعاً عاجزين عن إنجاز أي اختراقات، تضمن تحقيق الحدود الدنيا، من حق الفلسطينيين في الحرية والانعتاق وإقامة الدولة المستقلة، في حدود الأراضي التي جرى احتلالها عام 1967، وليس على كل فلسطين. وهي أراض محتلة بإجماع العالم بأسره، وبموجب قراري مجلس الأمن الدولي 242، و338.

واقع الحال، أن متابعة قرارات مجلس الأمن الدولي، وهيئة الأمم المتحدة، منذ عام 1947، حين صدر قرار التقسيم رقم 181، وحتى يومنا هذا، تؤكد أن الرسم البياني، لقرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، يتجه من الأعلى إلى الأسفل، في مسلسل التفريط وهدر الحقوق الفلسطينية.

قرار التقسيم، قضى بتقسيم فلسطين مناصفة، بين العرب واليهود، ووضع المدينة المقدسة، تحت وصاية دولية. وجاء الرفض لهذا القرار من قبل الصهاينة وليس العرب، العرب اعترضوا على صيغة القرار، لأنها لم تنصف الفلسطينيين، الذي كانوا يشكلون في حينه 93% من السكان، في حين، لم يشكل اليهود المسجلين ضمن المقيمين بالأراضي الفلسطينية، في ذلك الوقت وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة سوى أقل من 7 في المئة من سكان فلسطين.

كان الرفض العربي، رفضاً لفظياً، ولكن الصهاينة، جسدوا رفضهم عسكرياً وعلى أرض الواقع، حين احتلوا قرابة 80% من الأراضي الفلسطينية، ولم يتبق للفلسطينيين سوى الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة.

وفي عام 1967م، صدر القرار 242، ليؤكد على انسحاب الدولة الصهيونية، من الأراضي التي جرى احتلالها في حرب يونيو/حزيران من العام نفسه. ونسي قرار التقسيم في ملفات الأمم المتحدة، وذهبت بنوده أدراج الرياح. وهكذا كانت حال الشعب الفلسطيني دائماً مع القرارات التي يصدرها مجلس الأمن الدولي، وهيئة الأمم المتحدة.

تصدر قرارات أممية، يقبل بها العرب والفلسطينيون، ولكن ليس لأحد قدرة تنفيذها وفرضها على الاحتلال. ويستمر صخب المبادرات والمفاوضات، دون نتائج تذكر. وبسبب تخاذل القوى الكبرى، أو ما بات يطلع عليها مجازاً بالمجتمع الدولي نرى جعجعة ولا نرى طحناً، وسرعان ما يخبو الصخب، وتتراجع الآمال، لكن الاحتلال، يستمر بقوة وإصرار، في قضم المزيد من الحقوق الفلسطينية.

«ما حك جلدك غير ظفرك»، مثل عربي قديم، يجسده أشبال فلسطين وأبطالها، بصدورهم العارية، وهم يرسمون خريطة الطريق، ولتثبيت الحقوق الفلسطينية، وعلى رأسها عروبة القدس، وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، راسمين بدمائهم الزكية شارات النصر.