آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 5:59 م

مقولة الحياة

محمد الحرز * صحيفة اليوم

لا أحد يستطيع أن يحدد ماذا تعنيه كلمة الحياة، سواء في القاموس اللغوي أو الواقع المعيشي على هذه الأرض؟ البشر يعيشون حياتهم بكل بساطة ثم يمضون في سبيلهم، ولا توجد طريقة أو آلة ابتكرها الإنسان الأول تحفظ حياته طازجة من المولد إلى الممات مثل شريط سينمائي كما هي عليه الحال في القرن العشرين. فاتت الإنسان قرون عديدة قبل أن يبتكر الفن السابع، وقبل حتى أن يبتكر المرايا كي يرى صورته. لذلك تأتي كلمة الحياة مثقلة بحمولتها التاريخية. حياة إنسان تأتي إلى العالم وأخرى تذهب عنه هذا هو ديدن العالم، والجميع يتحدث عن الحياة: حياة القادة والعلماء بالنسبة للمؤرخ، حياة الحيوانات التي تعيش في الغابات وحياتها في الصحراء والوديان وحياتها في البحار والمحيطات بالنسبة للمختص بعالم الحيوان، حياة المدن والجبال والأنهار والثلوج والبراكين والأعاصير بالنسبة للمختص بعلم البيئة، حياة المجتمعات وعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم بالنسبة للمختص بعلم الاجتماع والانثروبولوجيا. وهكذا تأتي بقية التخصصات في المعرفة البشرية وتراكماتها عبر السنين والقرون تباعا، وجميعها لا يكون هدفها الأكبر سوى الكشف عن أسرار الكون والعالم على هذه الأرض وليس الإنسان البشري سوى جزء ضئيل من هذه الأسرار.

ثمة من يطرح تساؤلا هنا؟ أليست الحياة تعني بكل بساطة بالنسبة للإنسان - على الأقل - جسده الذي يتنفس من خلال الهواء، حزنه وفرحه الذي يعتلي ملامح وجهه، حبه وكرهه، مرضه وصحته، أسرته وعلاقاته الاجتماعية، سلوكه وقناعاته؟ أليست هذه في مجملها ما نطلق عليها حياة شخص ما؟ نعم، هي كذلك دون زيادة أو نقصان. لكن أساس المشكلة لا تكمن في هذا التعريف الاستطرادي للحياة، بل في التعبير عنها من خلال لغة دائما ما تحمل المعنى ونقيضه، ودعوني أضرب مثالا كي أوضح مقصدي من هذه الفقرة. عندما تستوقف شخصين وتسألهما السؤال نفسه وهو: حياتك سعيدة أم تعيسة؟ وتتفق إجابتهما على كون حياتهما سعيدة. وحين تريد من كل واحد منهما أن يعطيك تبريرا مقنعا عن إجابته على كون حياته سعيدة، هنا نقع على تباين واختلاف حسب الزاوية التي ينظر منها كل شخص للأهمية التي يعطيها لحياته. فإذا كان أحدهم يرى أن نجاحه الاقتصادي يوفر له حياة كريمة ويربط ذلك بسعادته فإنه يوجد آخر يرى قياس سعادة حياته بما أنجزه من أعمال إبداعية وفكرية تفيد الناس، وهكذا نرى رؤية السعادة تتنوع بتنوع الميول والاتجاهات. لكن لم يحدث في تاريخ البشرية أن استطاع أحدهم أن يجمع في شخصه جميع تلك الميول والاتجاهات، ويحقق بالتالي من خلالها مفهوم السعادة الشامل. ليس السبب محدودية الإمكانات البشرية ومحدودية طاقاتها وأفعالها، وإنما الأهم - وهو ما نعنيه تماما هنا - هو محدودية قاموسه اللغوي الذي يستخدمه للتعبير عن تفاصيل حياته. لا يمكن أن تضع حوتا ضخما في قارب صغير دون أن يمسك خطر الغرق أنت والقارب. هكذا هي حياة الإنسان مع لغته.