آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

السيدة زينب عم ضياؤها

هي شمس الكمالات التي نشرت على أرض الكمال كل ألوان الفضيلة والعطاء والمكارم، فقد انسكبت في شخصيتهاعناصر العظمة والعلياء والسؤدد، هي عقيلة الطالبيين التي تحلت بالورع والحياء والقامة العلمية الشامخة، فكانت امتدادا لخط الهداية والتربوية التي بذرتها فيوضات الرحمن في البيت الهاشمي، فهي موئل وملاذ النساء في معرفة الأحكام الشرعية ومضامين الآيات القرآنية والقيم الدينية السمحة، البانية لمعالم التكامل في شخصية الإنسان والتي يكتسبها من تعاليم الأولياء ومنهم الحوراء زينب ، والتي كانت عنصرا فاعلا في منظومة الإرشاد والتوجيه، وسيرتها العطرة تنثر عبير الأخلاق الرفيعة والصنعة القوية للشخصية المستلهمة من الثقة بالله تعالى كل معالم الصبر والشجاعة.

هي محالفة محراب العبادة والطاعة، فلم تفتر عن الوقوف بين يدي الله تعالى مبدية كل علائم الافتقار والتذلل والتعظيم لشأنه عز وجل، مجسدة في عبادتها كل تعاليم المنهج العبادي القائم على تآزر الوجدان والفكر وحركات البدن، فهي ليست طقوسا خاوية من كل مضمون يؤديها العبد دونما وجود تأثير على شخصيته، بل العبادة الزينبية تعني تزلفا لله عز وجل عنوانه الوعي بعظمة الله تعالى وتتزين بالخشية منه والتزام طاعته كسلوك حياتي، إنها العبادة التي تخلق وعيا ويقظة في ضمير الإنسان ومعرفة بعواقب الأمور، يزداد وميضها التحصيني أمام الشهوات والأهواء حينما يستحضر رقابة الله تعالى.

ومع ما واجهته عقيلة الطالبيين من ظروف صعبة ومصائب متوالية منذ فقد جدها وأمها وأبيها وإخوتها، لم يظهر منها في قبالة ذلك إلا جميل الصبر وتجرع نوب الدهر بتسليم لقضاء الله تعالى، إنه الامتحان الإلهي الذي يبتلي به عباده ليظهر منهم معدن التحمل ومواجهة التحديات دونما يأس وقنوط، وهذا ما كانت عليه الحوراء زينب والتي لم يصبها الانكسار أو الضعف بعد مسيرة سبي مؤلمة، بل واجهت بقوة جنانها الطغيان وأظهرت شجاعة في مواقفها، وهذا ما يدل عليه خطابها في الكوفة والشام حيث تحدثت بلسان الفصاحة والبلاغة وفصل الخطاب، بما أظهر الحقائق المراد إخفاؤها وثبتت حقيقة النهضة الإصلاحية التي قادها السبط الشهيد.

لولا ذاك الرصيد الإيماني والقوة النورانية الحالة في فؤادها لما كان لها أن تصمد أمام موجات البلاء، إنها جبل الصبر الشامخ الذي يأبى الإنحناء أو التبعثر، لما تمتلكه من بصيرة واعية بحقائق الأمور والأحداث، والتي لا تخرج في إطار حركتها واتجاهها عن القدرة الإلهية المدبرة لشئون العباد، وهذا ما يكسب المرء ثباتا وطمأنينة يتحرك وفقها في مسيرة حياته دونما خوف.

إننا أمام دروس نستلهمها من سيرتها العطرة فنوسم بالخطى الزينبية، إذ الحوراء زينب العالمة بالقيم والمضامين الدينية هو ما أكسبها معرفة بحقائق الأمور وثقة بوعد الله عز وجل وطمأنينة في خضم الابتلاء الصعب، حيث تصاغرت في عين رشدها كل تلك المصائب الجسام، فكانت بمستوى وحجم المسئوليات الكبرى التي تكفلت بها فهي المؤتمنة، ومن شجاعتها نستلهم دروس القوة في مواجهة التحديات والصعاب في الحياة، فمن كان زينبيا في نهجه وخطاه لا يسقط في أحضان الخيبة والضعف أبدا مهما علت موجة وحيار الآلام والمشاكل.