آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

نحن فيهم

لا تْحققْ ما تظنَ أنه ما يطمح إليه ويرغبُ فيه غيرك! لا يخلو الإنسانُ من دوافعِ التطوع في خدمةِ من يعتقد أنه يستحق تلك الخدمة فكيف إذا كان الغيرُ ابنكَ أو ابنتك؟ الرغبةُ تأتي دون استدعاء. ولكن هل فكرنا يوماً هل أن هذا ما يوده أو يحتاجه؟

يولد لنا الطفل، نفرح بقدومه وتبدأ مرحلةُ التخطيطِ لمستقبله. ليس لذاك المخلوق خيارٌ في سنواته الأولى. نشتري له كُلَّ يومٍ لعبةً نحبها ونعطيها إياه، خذ هذه لك. يفرح الصغيرُ بها قليلاً من الوقتِ ويرميها جانباً، نهرعُ لشراءِ غيرها، لابد أن هناك لعبةً أخرى نحبه أن يمتلكها.

نشتري له أرقى الملابس وهو يحب أن يلبسَ ملابسَ الأطفالِ التي لا يهم كم ثمنها وإن اتسخت أو بليت لا تكلف الكثير. الحمراء، البيضاء، السوداء، كلها الوانٌ نحن نحبُ أن نرى طفلنا أو غيرنا فيها حتى لو كان مصاباً بعمى الألوان ولا يهمه لونُ ملبسهْ. علينا أن نجد لها من يلبسها أو يرتاح ضميرنا  قليلاً عندما نرميها في مكان كتبنا عليه ”مخصصٌ للملابس القديمة“.

لا بأس أن يأكل مما نأكل ويشرب مما نشرب، نحن الكبار نختارُ الجيد من الطعام، لا تثريب علينا. يحينُ وقتُ المدرسة نبحث عن أغلاها ومن الأفضلِ ألا تكونَ في الحي الذي نحن فيه. لا نريده أن يرتبطَ كثيراً بالصغارِ الذين يتعلمونَ في مدارسَ مجانية. لن نتعب في متابعة دروسه أو إضافةِ حصصٍ منزلية، يكفي انه يأتي إلى المنزلِ بعد الثالثةِ عصراً وأنهى كل فروضه المنزلية.

ليس فقط السنوات الأولى بل حين يحين وقت الجامعة، درسنا كل الخيارات ومتطلبات سوق العمل وخططنا لتخصصٍ لن تخيبَ به آمالنا. إن حالفه الحظُ وتخرج بحثنا له عن عملٍ وأيقظنا كل من نعرف واستنهضناه لكي يحصل على عملٍ نظن أنه ما يريد. نطوف الأرضَ بحثاً عن منزلٍ لا يرغبون فيه ونرغبَهم فيمن لا يحبون أن يتزوجون.

يكبرونَ ونكبر ونترك العمل ومعنَا ما حاشتهُ ايدينا من فتاتِ الدنيا ونسألهمْ عن المهمةِ التي نذر الفتاتَ فيها ونزرعُ بذور موتِ ما تبقى من وقتنا، ليست الديمقراطية أحد الخيارات لنا. لا بد أن تستنفذ ما بقي من طاقةٍ في المشيِ خلفَ سرابِ ما يحبه غيرنا، هو لا يريده!. بعد سنينَ وضنى ننظرُ ونقول هم لا يهتمونَ لما بنينا أو ريَّ ما زرعنا أو المشيَ في الزقاق الذي مشينا. لذا كانَ علينا ألا نحققَ ما نظنه رغبةَ غيرنا.

واجبنا لهم بدلاً من ذلك الاستمتاع والمشاهدة والرفعَ عند العثرة وتنمية المدارك وتبني ما يرغبون إنجازه ولو كان يختلفُ عما أردناهمْ أن يكونوا وكما نبني الجسمَ نبني العقل. نشدُّ حبالَ أشرعةِ سفنهم والرياحُ والأمواجُ تقويها، نغرسُ شجرتهم وننميها تأتي الثمرةُ كما نريد. عندما يأتي دورنا ليس علينا سوى تحقيقَ ما رغبنا فيهِ وانتظرناهْ معاً وليس العمل على تشييدِ أوهامٍ ظننا أن صغارنا يريدونها ويبحثون عنها.

ليس هناك سنيناً أو عمراً من فضةٍ أو ذهب. كل السنين لها نفس الثمن. لا ننطق بألسنة غيرنا أو نأكل ببطون غيرنا أو ننجزَ ما يصبو إليه غيرنا فقط لأننا ننظر إليهم  بأعيننا وليس بعقولنا. لا يجب أن تحرقَ شعلاتُ المحبة أيدينا أو يوهمنا صولجانُ السلطة  استنساخَ أنفسنا في غيرنا.

مستشار أعلى هندسة بترول