آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

«الحسا تركض» حدث رياضي أم ثقافي؟!

محمد الحرز * صحيفة اليوم

تحت شعار «الحسا تركض» نظم مستشفى الموسى التخصصي في محافظة الأحساء، بالتعاون مع الهيئة العامة للرياضة وهيئة الترفيه، الماراثون النسائي الأول بالمملكة يوم السبت الماضي، بمشاركة 1500 فتاة وسيدة. هذا الحدث الرياضي، باعتباره الأول من نوعه الذي يجري بالمملكة، يتم تلقيه عند عموم الناس بمختلف شرائحهم حسب ثقافتهم التي تربوا عليها، وحسب ثقافتهم التي اكتسبوها من التعلم والمقارنة والخبرة الحياتية. وسينظر إليه بالتالي ليس بالاعتبار الرياضي، ولو كان كذلك - أي بالاعتبار الرياضي - لرأينا أن مثل هذا الحدث كان قد مر مرور الكرام، ولم يجر حوله أي جدل أو خلاف، بحكم أن ظاهرة المارثون ظاهرة عالمية تتبعها كل شعوب العالم في عاداتها السنوية ومحافلها الدولية، بل وأصبحت من تقاليدها وعاداتها لما لهذه الظاهرة من فوائد صحية بالدرجة الأولى. لكن المسألة تتجاوز ما هو رياضي إلى ما هو ثقافي خصوصا إذا كانت المرأة السعودية هي مدار الحدث الذي يدور حوله الكلام.

وكل ما هو ثقافي لا يتم الاتفاق عليه مهما انسجمت الآراء حوله، أو تقاربت القناعات أو الأهداف والغايات، فالاختلاف هو الأمر الطبيعي في الفضاء الاجتماعي العام. ناهيك عن حداثة الظاهرة نفسها التي لم يتعود عليها المجتمع السعودي من قبل، سواء باعتبارها جزءا من ممارساته اليومية أم باعتبارها فرجة متاحة بصريا لكافة الناس وكذلك للإعلام المرئي والمسموع.

لذا الجدل الذي أثير حول الفعالية النسائية كانت ساحته الأكثر صخبا فضاء التواصل الاجتماعي، وبحكم طبيعة هذا الفضاء، يكون الجدل في أغلبه منطلقا من رؤى ضيقة، ينزلق في معظمه للحديث عن المرأة وفق مقولات لا ترتبط بواقع المرأة المعاصر بقدر ما ترتبط بالخوف من هاجس التغيير، بالخوف من تداعيات هذا التغيير على عموم المجتمع. وكما يرى أصحاب هذا الخوف أن مثل هذه الظواهر تؤدي بالمرأة إلى التبرج والسفور وبالتالي إلى هدر كرامتها من جهة وإفساد المجتمع من جهة أخرى. لكن التغيير من السنن الكونية في المجتمعات سواء كان إيجابيا عند البعض أم سلبيا عند الآخر، وكل المجتمعات بلا استثناء تملك خاصية التكيف مع تطلعاتها وآمالها للحياة الحديثة وفي نفس الوقت مع حفاظها لعاداتها وتقاليدها وثقافتها الموروثة.

انظروا إلى أغلب المجتمعات الإسلامية منها وغير الإسلامية كيف يتقبلون كل ما هو جديد في الحياة؟. لكن بشرط الحفاظ على هوياتهم. فالمرأة في الأحساء خرجت إلى الفعالية وهي محتشمة الملبس، دافعها القوي هو التعبير عن ذاتها بوصفها قوى فاعلة داخل المجتمع مثلها مثل الرجل، وهذا حق من حقوقها في عرف التقاليد الإسلامية قبل أن يكون حقا في القوانين الدولية. ولا يضيرها في شيء إذا ما حدث خطأ تقني هنا أو هناك أثناء إقامة الفعالية. لكن الخطر كل الخطر أن يعطى الحدث أكبر من حجمه ومعناه بحيث يصبح شماعة تعلق عليها جميع الأمراض الكامنة في النفس، وتصبح الفرصة مواتية للتعبير عنها بروح الكراهية والإقصاء.