آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

هل عليَّ أنْ أربِّي أبناء اليوم على تكسير «الأصنام»؟

زاهر العبدالله *

هل عليَّ أنْ أربِّي أبناء اليوم على تكسير «الأصنام»؟ أي المجسمات التي تأخذ صور الحيوانات والإنسان كما فعل نبي الله إبراهيم وكذلك أمير المؤمنين أو عليّ أن لا أحترم معتقدات الآخرين كما فعل داعش حيث كسر وحطم الآثار؟

جاء السؤال على خلفية مافعلت داعش من تحطيم الآثار في العراق والشام وحملة التشويه المقصود للإسلام فتلاقفها بعض أبنائنا الكرام الذين يحملون شهادات عليا كالطب وتأثروا وانبهروا بما لدى الغرب من تقدم وازدهار وتحرر فحمّل الإسلام الحنيف تبعات من لا يمتُّ للأسلام بصلة وهم جماعة داعش ومن لفَّ لفيفها واتَّهم الإسلام بتهمِ مافعلته تلك الجماعات في تحطيم وتكسير الآثار القديمة التي كان بعضها يعبد في زمان صنعها وبعضها تعظيم لأصحابها فكان التعليق بما يلي:

الجواب أُعلّم أبنائي أو طلاّبي التاريخ الصحيح والسبب الذي جعل نبي الله إبراهيم يكسّر الأصنام لأن معرفة السبب تبطل عجب السؤال إذا علِم الطالب أو الإبن أن نبي الله إبراهيم كانت مهمته الأسمى هداية الناس من الظلمات إلى النور ووظيفته تنبيه العقول الغافلة والنائمة التي ظلّت تعبدُ أوثانا متبعين أثر الآباء والأجداد لإعتقادهم أن لها تأثيراً في رزقهم وتنظيم معاشهم وشفاء مرضاهم وقضاء حوائجهم فكان من وظيفته أن ينبه عقولهم أن ما يعتقدونه مخالف لمنطق العقل والعلم البيّن الظاهر فحطّمها ليوقض تلك العقول ويخبرهم أن ما يفعلون من عبادة لهذه الأوثان خطأ بيّن إذ كيف تعبدون ماتصنعون؟ وترجون منهم مالا يستطيعون عليه؟ وتطلبون منهم ماهم مفتقرون له؟ فهم محتاجون لرعايتكم وعنايتكم، فكيف للعاجز والفقير أن يعطي الغنيَّ عن ذلك فكان تحطيم الأوثان لهم آية منبهة وصادمة لعقولهم. إذ يحكي لنا القرآن الكريم واقع حالهم في قوله تعالى: ﴿فَجَعَلَهُم جُذاذًا إِلّا كَبيرًا لَهُم لَعَلَّهُم إِلَيهِ يَرجِعونَ58 ﴿قالوا سَمِعنا فَتًى يَذكُرُهُم يُقالُ لَهُ إِبراهيمُ 60 ﴿قالوا فَأتوا بِهِ عَلى أَعيُنِ النّاسِ لَعَلَّهُم يَشهَدونَ61 ﴿قالوا أَأَنتَ فَعَلتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبراهيمُ62 الانبياء

حينما احضروا نبي الله إبراهيم أمامهم جميعاً والأصنام محطّمة إلا كبيرهم والفأس معلق عليه. سألوا نبي الله إبراهيم من فعل هذا بآلهتنا؟ هنا فرصة ثمينة لنبي الله إبراهيم ليشعل فيها فتيل التفكر والتدبر للعقول وتكون صادمة في صميم الوعي وصادمة في الفطرة السليمة لديهم فجاءهم الجواب في القرآن الكريم على لسان إبراهيم : ﴿قالَ بَل فَعَلَهُ كَبيرُهُم هذا فَاسأَلوهُم إِن كانوا يَنطِقونَ [الأنبياء: 63]

هنا ارجعوا لفطرتكم وعقولكم واسألوها هل تستطيع الأوثان أن تدافع عن أنفسها وتدفع ما أصابها من ضرر وتقول بلسانٍ طلقٍ أنَّ الذي فعل بنا هذا هو إبراهيم ؟! أم ستقفُ عاجزةً عن أبسط الأشياء التي يقوم بها أقلكم وهو الدفاع عن نفسه.

النتيجة:

فإذاً أقل الأشياء لا تملكها هذه الأصنام وهي الدفاع بالقول عن نفسها فكيف لها أن تقضي حوائجكم وتشافي مرضاكم.

ثم قال تعالى: ﴿فَرَجَعوا إِلى أَنفُسِهِم فَقالوا إِنَّكُم أَنتُمُ الظّالِمونَ64﴿ثُمَّ نُكِسوا عَلى رُءوسِهِم لَقَد عَلِمتَ ما هؤُلاءِ يَنطِقونَ[الأنبياء: 65]

بعد نكسة الخجل وذلِّ الإعتراف الصامت منهم كان لا بد من التقريع الناصح والمحب لهم وإبعادهم عن ظلم أنفسهم بهذه العبادة الخاطئة قال تعالى: ﴿قالَ أَفَتَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ ما لا يَنفَعُكُم شَيئًا وَلا يَضُرُّكُم 66 ﴿أُفٍّ لَكُم وَلِما تَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ أَفَلا تَعقِلونَ[الأنبياء: 67]

هكذا إذاً أعلّم الطالبَ أو الإبن أن أساس الأصنام وجدت لغرضٍ وهو أن تُعبد من دون الله وهي عاجزة في أن تجلب لنفسها نفعاً أو تدفع عن نفسها ضرا فكان من واجب النبي والوصي تنبيه الأمة لتعود لعقولها وتعبد من يستحق العبادة الذي من صفاته غني مطلق لا يفتقر لشيء. ولكن مجسمات اليوم وأصنام اليوم لم توجد لغرض العبادة وإنما لأغراض أخرى فبعضها لمجرد الزينة أو لحفظ الأثار ومعرفة عمرها لتوضع في المتاحف أو غير ذلك. فلا حاجة لتكسيرها لأن الغرض من وجودها اختلف تماماً ففي السابق الغرض من وجودها العبادة أما اليوم فقد اختلف الغرض فلا ينطبق عليها حكم من سبق وكذلك بالنسبة لأمير المؤمنين حين أمره رسول الله ﷺ وسلّم بتكسير الأصنام لأن الغرض كان من صنعها العبادة والتقرب من دون الله سبحانه وليشعل فيمن يعبدها فتيل العقل والتبصر والتفكر إذ كيف كنت أعبد من لا يستطيع دفع الضر عن نفسه وأترك من يستحق العبادة وهو الله سبحانه الذي منّ عليّ بالوجود وأعطانيَ السمع والبصر والفؤاد وجعل لي لكل شيء سببا.

الخلاصة:

نقول لأبنائنا اليوم لو سألوا عن الصور المجسمة لا يجوز صنعها حسب فتوى مشهور المراجع ولكن لا بأس بإقتنائها ويكره تركيبها خصوصا إذا تشبه ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان.

كما لا يجوز تكسير الآثار القديمة لأنها تحفظ لنا تاريخ الأمم ليستفيد منها جيل اليوم.

والحمد لله رب العالمين.