آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

هدف زيارة ولي العهد لأمريكا

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الالكترونية

«كسب ثقة المستثمرين، وتأمين الدعم التقني والتعليمي لتنفيذ برنامج الإصلاحات في بلاده». هذا ما نقلته صحيفة الشرق الأوسط عن صحيفة الواشنطن بوسطن بأنه الهدف الرئيس لجولة ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية. وعند التمعن نجده هدفاً مُتَسقاً مع ما ترمي له ”الرؤية السعودية 2030“ من استهداف تحقيق نمو مرتفع من خلال تنفيذ أهدافٍ استراتيجية متعددة، في مقدمتها زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة نسبةً للناتج المحلي الإجمالي، ورفع نسبة المحتوى المحلي، وتعزيز الصادرات.

وعلى صلة بالاستثمارات، فطبقاً لوكالة ”يوكتاد“ فإن حصيلة الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً للعام 2017 تجاوزت 1,5 ترليون دولار، منها 570 مليار ذهبت لمشاريع جديدة. ويلاحظ تراجع الحصيلة عن مستوى 1,8 ترليون دولار الذي تحقق في العام 2016، إلا أن التدفق على الدول النامية لم يشهد تغييراً ملحوظاً في العام2017، بل استقر عند نحو 650 مليار دولار. وتتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول المتلقية للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ثم الصين، وحلت الهند في المرتبة العاشرة بحصيلة 45 مليار دولار.

وفيما يخص المملكة، فقد تراجعت وتيرة تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في العام 2016 إلى 7,4 مليار دولار من 8,1 مليار دولار في العام 2015. وتقدر ”يوكتاد“ إجمالي قيمة الاستثمار الأجنبي في المملكة بنحو 230 مليار دولار حتى نهاية 2016، أي ما يوازي 36 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، أما التدفق السنوي في الوقت الراهن فهو دون التطلعات.

وبعيد عن 5,7% من الناتج المحلي الإجمالي الذي تستهدفه ”الرؤية السعودية 2030“، ووفقاً للإحصاءات العالمية المتاحة عن تدفقات العام 2015، يأتي المستثمرون الأمريكان بالمرتبة الأولى من حيث قيمة الاستثمار، ثم من الكويت ففرنسا فاليابان فالأمارات فالصين فألمانيا فالبحرين فبريطانيا ثم هولندا. وفيما يخص الأنشطة الاقتصادية، فالمقاولات كانت تقليدياً تحل أولاً ثم العقار ثم الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية ثم النقل والتخزين والاتصالات. وفي بيانات رسمية حديثة للهيئة العامة للاستثمار، فقد بلغ إجمالي الاستثمارات الأمريكية في السعودية 207 مليار ريال «أي 55 مليار دولار» حتى فبراير 2018، موزعة على 373 شركة. أما حصيلة تدفقات العام 2017 فكانت متواضعة بالنظر للنشاط الاقتصادي بين البلدين، فقد بلغت قيمة التدفقات الأمريكية المباشرة 382,2 مليون ريال «102مليون دولار»!

وثمة أمر آخر يتطلب التمعن في تنشيط التعامل الاقتصادي مع واشنطن، وهو التراجع الكبير في قيمة الصادرات السلعية السعودية لأمريكا، الذي انعكس انخفاضاً على فائض تجارتنا السلعية مع الولايات المتحدة، حيث كانالفائض قد بلغ 42,3 مليار دولار في العام 2008، ليتراجع بتؤدة حتى وصل إلى 28,3 مليار دولار في العام 2014، وواصل التراجع إلى 16,9 مليار دولار في العام الذي يليه، وبلغ القاع «1,1 مليار دولار» في العام 2016، ليتحسن في العام المنصرم «2017» إلى 2,6 مليار دولار.

وكما صرح سمو ولي العهد قبل أقل من عام، فإن السعودية تطوي صفحة عقود التوريد المَحضة إلى عقود تقوم على تنمية المحتوى المحلي، حيث ذكر سموه أن: ”لا صفقة سلاح إذا لم تشمل محتوى محلياً“. وعليه، فالتوجه واضح، بأن العقود الكبيرة - وحتى الصغيرة - التي مع الولايات المتحدة، وتبلغ قيمتها 400 مليار دولار، ستخضع لهذا التوجه المحوري، وفيما يخص الانفاق العسكري، فمتطلبات المحتوى المحلي تقول بتوطين 50 بالمائة من الإنفاق العسكري بحلول عام 2020.

وهكذا، فنجد أن ليس من عنوانٍ أعرض للزيارة التاريخية للولايات المتحدة الأمريكية مما صرح به سمو ولي العهد، من أنها لكسب ثقة المستثمرين، وتأمين الدعم التقني والتعليمي لتنفيذ برنامج الإصلاحات في المملكة. وليس خافياً، أن للمملكة مصالحها المتعددة بما في ذلك العسكرية والأمنية فضلاً عن السياسية والاقتصادية، لكن الجديد هو أن تحقيق ”الرؤية السعودية 2030“ يصنع من تلك المصالح - رغم تنوعها وتفاوتها - منظومة متسقةً ينتفع منها الاقتصاد المحلي، وليس أقل من أن مبادرة المحتوى المحلي ستولد منافعاً للاقتصاد السعودي على شكل وظائف واستثمارات وشراكات واتفاقات توريد وتزويد للمنشآت الصغيرة والمتوسط العاملة في السعودية.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى