آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 11:10 ص

حضور الأمر الإلهي الأخروي

قال تعالى: ﴿و جاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴿الفجر الآية 22.

الآية الكريمة تشير إلى مشهد من مشاهد يوم القيامة والذي يظهر فيه عظمة الله عز وجل، وقد أحضر العباد لمحاسبتهم على ما قدموا واقترفت أيديهم في الحياة الدنيا، إنه ذاك المحضر المهيب الذي ذكرت به الآيات القرآنية ودعت العباد إلى الاستعداد له بإتيان الأعمال الصالحة، فمن كان صاحب روح يقظة وضمير حي عاش أجواء المحكمة الإلهية في يوم الحساب ورأى رضا الله عز وجل في أفعاله وأقواله، فهاهو اليوم يرى جلال الباري وقد تعلق قلبه برحمته ومغفرته للعصاة من عباده راجيا التجاوز عن سيئاته.

وأما ذاك الإنسان الغافل الذي أخلد إلى الأرض واتبع شهواته فإنه يصاب بهول المفاجأة ووقوع ما لم يكن بالحسبان، فقد أتى اليوم الذي كذب بوقوعه من خلال أفعاله غير المسئولة واقترافه الخطايا من غير خوف بمواجهة العقاب المترتب عليها، فقد ألف حياة الشهوات وإزاحة عقله عن التحكم بخطواته، فجعل النفس الأمارة بالسوء تفلت من عقال التوازن والحكمة.

من علم بمواجهته للعقوبات وتعرضه لنتائج أفعاله، سيعمل جاهدا على تجنب الوقوع في المخالفات وارتكابها؛ درءا لنفسه عن مواجهة المحاسبة والمجازاة، فكيف لعاقل يتناهى له انعقاد محكمة العدل الإلهي الدقيقة، ولا يستعد لمواجهتها بمحاسبة نفسه في الدنيا والتدقيق في أعماله وأقواله قبل فوات الأوان؟!

سيقف العباد من الأولين والآخرين بين يدي الله عز وجل، في يوم مهول وعظيم لا مهرب ولا فوات فيه من قبضة الاقتدار والعدالة الإلهية لمواجهة المصير.

وأما التعبير عن مجيء الرب فليس المراد منه المعنى الحقيقي من الانتقال المكاني، فذاك يستلزم التجسيم والمكانية، وسبحانه منزه من الصفات السلبية المستوجبة للنعت بالنقص وحاشاه، بل المراد هنا مواجهة ومعاينة العباد العظمة الإلهية، ففي مشهد رهيب قد اصطفت فيه الملائكة - ومنهم الغلاظ الشداد -، ويصك الآذان شهيق وزفير نار جهنم، وتبصر النفس والعين هيئة المحكمة الإلهية التي لا مفلت منها، فهذا الحضور هو للأمر والوعد الإلهي بمحاسبة العباد ونشر صحائف أعمالهم ومواجهتهم بها.

ويحضر الأمر والوعد الإلهي بظهور آيات الله عز وجل الدالة على عظمته وقاهريته، مما لم يرها العباد في الدنيا معاينة ومشاهدة بل سمعوا عنها، أما اليوم فإنهم أمام المشهد العظيم الذي لا سبيل لإنكاره.

ويحضر الأمر والوعد الإلهي بتلاقي وتوافق النظرة المعرفية المسلمة بيوم الحساب وانعقاد المحكمة الإلهية، ففي الدنيا تباينت الآراء وتباعدت، فمن العباد من كذب بأصل فكرة الحياة بعد الموت اعتقادا وتصورا، وهناك من عاقرت الفكرة عقله ولكن عمله السيء لا يدل على تصديقه بيوم الدين، فقد كان صاحب إرادة ضعيفة لا تمانع ولا تقاوم الأهواء وتزيين الشيطان، أما اليوم وبعد معاينة الناس كافة ليوم المحشر فإن الجميع يقر بها بلا شك أو مؤاربة.