آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

يوم الأرض.. يوم حق العودة

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

في الثلاثين من مارس/ آذار من كل عام يحيي الفلسطينيون يوم الأرض، مؤكدين حقهم في أرضهم، الحرة المستقلة، وعلى حق اللاجئين الذين فرضت عليهم حالة الشتات، منذ نكبة فلسطين عام 1948م في العودة إلى ديارهم. ويصادف هذا العام مرور اثنين وأربعين عاماً، منذ بدأ الفلسطينيون، في الأراضي المحتلة والشتات بإحياء هذه الذكرى.

الهدف من إحياء الذكرى، هو التأكيد للكيان الغاصب، ولمن يقف خلفه، بالدعم والتأييد، أن تقادم الأيام على القضية الفلسطينية، وبروز أجيال جديدة مختلفة، ولدت بالأراضي المحتلة، والشتات، ورحيل معظم من عاصروا النكبة والنكسة، لن يتكفل أبداً بشطب القضية الفلسطينية من الذاكرة، وأن الحقوق لا تسقط بتقادم الأيام والسنين.

إن الاحتفاء بيوم الأرض كل عام هو تأكيد قوي أن الذاكرة الفلسطينية حية ومتوقدة، وأن الكفاح الفلسطيني سيتواصل، حتى يحقق أهدافه، في الحرية والاستقلال، وعودة المشردين إلى ديارهم.

إحياء الذكرى في هذا العام، جاء مختلفاً، في شكله ومضمونه عن الأعوام الأخرى، فقد حلت هذه الذكرى في غمرة استعار الكيان الصهيوني، والإدارة الأمريكية من خلفه لإلحاق التصفية النهائية للقضية الفلسطينية.

فبعد شهر من الآن يتوقع أن تنقل الإدارة الأمريكية سفارتها إلى القدس، التزاماً بوعد ترامب، قبل سبعة عشر أسبوعاً، نقل السفارة الأمريكية للمدينة المقدسة، باعتبارها عاصمة «إسرائيل». وهو ما يعد خرقاً صريحاً للقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن مدينة القدس، باعتبارها أرضاً محتلة، وبما يطعن التطلعات الفلسطينية المشروعة، في تحرير كافة الأراضي التي احتلها الصهاينة في عدوانهم على الأمة العربية، في يونيو/ حزيران 1967.

ومن وجهة نظر الفلسطينيين، الذين راهنوا على الإدارة الأمريكية كوسيط نزيه، لتحقيق التسوية مع الدويلة الغاصبة، فإن قرارات ترامب، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، قد أنهت وإلى الأبد، تفرد الولايات المتحدة بالملف الفلسطيني.

لقد تكشف بما لا يقبل الشك والجدل أن المراهنة على الإدارة الأمريكية، لتحقيق حل عادل يضمن الحقوق الفلسطينية المشروعة، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، هي مراهنة على الوهم.

وقد كان يكفي مراجعة السجل الأمريكي، في استخدام حق النقض بمجلس الأمن الدولي، حين تكون القرارات لصالح الحقوق الفلسطينية، لتأكيد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لم تكن في يوم من الأيام إلى جانب الحقوق الفلسطينية. وقد جاءت الأحداث الأخيرة لتسقط آخر ورقة في شجرة التوت، وتعري حقيقة الموقف الأمريكي، تجاه قضية الشعب المظلوم، للفلسطينيين والعرب وللمجتمع الإنساني بأسره.

لقد تجاوز الموقف الأمريكي و«الإسرائيلي»، كل الحدود، خاصة بعد تهديد السفير الأمريكي في تل أبيب، ديفيد فريدمان باستبدال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والإتيان بقائد آخر، يقبل التفاوض مع الولايات المتحدة بشروطها المجحفة بالحقوق الفلسطينية. وقد تزامن هذا التهديد، مع إشارات من بعض الدوائر «الإسرائيلية»، بأن الرئيس عباس يمكن أن يلقى مصير الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وهو تهديد صريح بإمكانية اغتياله، بالطريقة التي جرى بها اغتيال عرفات.

أكد الفلسطينيون بمسيراتهم الضخمة هذا العام، في معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، رفضهم لكافة مشاريع التفريط بالحقوق الفلسطينية. وكان رد جيش الاحتلال، في معظم المناطق الفلسطينية، متماهياً مع مشاريع شطب الذاكرة وحق العودة، واستمراراً للنهج «الإسرائيلي»، في ممارسة القمع والإرهاب بحق المدنيين العزل.

وكان حصاد مواجهة الشعب الأعزل، مع قوات الاحتلال، ستة عشر شهيداً، وألف وخمسمئة جريح، في المواجهات الملحمية والشجاعة بين الشعب المحتل وقوات الاحتلال.

ومن خلال هذه المواجهة، أكد الفلسطينيون مرة أخرى، تمسكهم بالأرض وبحق التحرير والعودة وعروبة القدس، واستمرار مقاومتهم لمشاريع التصفية ولمؤامرة صفقة القرن، وتمسكهم بعروبة فلسطين.. كل فلسطين. يؤكد ذلك أن المسيرات شملت المناطق التي احتلت في نكبة عام 1948.

كان الخروج الاستثنائي، من حيث ضخامته وتوقيته، من قبل الفلسطينيين هذا العام، ليس مجرد إحياء ليوم الأرض، وتأكيد لقوة حضور الذاكرة الفلسطينية، بل هو رد حقيقي ومباشر، على قرارات ترامب، بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب لمدينة القدس، وهو أيضا احتجاج صارخ على التدخل الأمريكي في شؤون القيادة الفلسطينية، والتلويح بخلع الرئيس الفلسطيني من موقعه.

لم تحمل الشعارات والهتافات التي رفعت في مسيرات يوم الأرض أي شعار أو هتاف فئوي لصالح فصيل أو هيئة فلسطينية، فكل الشعارات هتفت للعودة وللحرية ولحق تقرير المصير، ولعروبة فلسطين، رافضة التآمر على عروبة القدس، ومؤكد حق الشعب الفلسطيني في التمسك بخياراته الوطنية، دون تدخل من قوى الهيمنة.

سوف تتواصل المسيرات والاحتجاجات الفلسطينية، حتى موعد احتفال الصهاينة بتأسيس كيانهم الغاصب، في فلسطين، وليس بالإمكان الجزم، بأن الأوضاع لن تتدحرج باتجاه انتفاضة فلسطينية، شاملة، تسقط كل الأوهام، وتعيد للقضية الفلسطينية مجددا ألقها العربي البهي وحضورها المقاوم، وليتواصل الكفاح بوتائر أعلى، وأكثر فاعلية من أجل تحرير فلسطين.