آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

سواحٌ في السعودية قريباً!

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الالكترونية

أكملت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية، بالتعاون مع وزارتي الداخلية والخارجية، اللوائح الخاصة بالتأشيرات السياحية ورفعتها أخيراً إلى الجهات المعنية لإقرارها. وقد تبنى برنامج التحول الوطني 2020 ”التأشيرة السياحية“ كإحدى المبادرات المهمة ذات الجدوى الاقتصادية المرتفعة، والتأثير المباشر في رفع مستوى الخدمات ومعالجة الموسمية، وضبط أسعار الخدمات السياحية.

ومع قرب إصدار التأشيرات السياحية، نكون قد أكملنا مشواراً طويلاً لكسر سورٍ أحاط ببلدنا يحول دون قدوم السياح إجمالاً لقضاء فيها أياماً كما نقضي نحن السعوديين أياماً وأيام في بلدان الدنيا قاطبة، فهذا خيار لم يكن وارد تقليدياً. وليس محل نقاش أن جهود جهيدة بذلت لنصل إلى النقطة التي نحن فيها الآن: التهيؤ لاستقبال السياح، ليروا وطننا الذي نزهو به، والذي حباه الله بتنوع حضاري وفي الجغرافيا والتضاريس، واتساع في البقعة، واحتضان لتاريخ العرب؛ لأيامهم وسيرهم وخطوط سيرهم ومرتكزات استيطانهم. وبالقطع، فأكثر ما نتشرف به احتضان وطننا للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وما لهما من مكانة لا تنافسهما فيه بقعة.

وإن تيسر لسائحٍ أن يأتي فمن أين يبدأ وكيف سينتهي؟ وفي كل وادي وسهل، ولكل جبل وهضبة قصص وأحداث. بما لا يصعب معه وضع السائح في أجواء ليس لها مثيل، أجواء الحضارة الإسلامية منذ بزوغها، والحياة العربية قبل الإسلام في العصور السحيقة، وبعد ظهور الاسلام وانتشاره.

سيأتي السائح ليرى الصحراء، والحياة فيها، ليعاين الحياة في الواحات الغناء، وفي الجبال الخضراء الشاهقة. وقد يستغرب أحدٌ القول أن السائح سيأتي للصحراء، لحياة في الصحراء نواميس ومفاهيم لعلنا لم نطورها ونوثقها بما فيها حكايا تروى للقادمين من الخارج.

أذكر قبل سنوات أتى وفد رسمي، ورتبنا لهم قضاء ساعات في الثمامة، في موقعٍ مرتفع يشاهد مغيب الشمس، وقضينا بعدها بضع ساعات في ارتشاف قهوةٍ وعشاءٍ وسمر. ظننا أن الأمر لا يعدو كونه دعوة عشاء، أما بالنسبة لهم فكانت أقرب ما يكون إلى فرحة طفل، رأينا ذلك في سرحانهم، وفي سؤالهم لنا عن كل شيء، حتى التفاصيل، بما في ذلك رائحة ”الغضا“ عند احتراقه!

هذا مثالٌ من أمثلة، خذ مثال آخر في تنوع وتفاوت صنوف الطعام من منطقة لأخرى، بل من مدينة لأخرى من الحواضر السعودية، وكذلك الملابس والأزياء، ومراسم الأفراح والأتراح، والعادات الاجتماعية، بل وحتى الإدارة الاقتصادية والحرف والصناعات في اقتصادٍ كان بدائياً، ثم تطور، ومع تطوره وتمدن الحياة حاك قصة أخرى، وتحول من حالٍ إلى حال.

تلك كلها مكوناتٍ جوهرية للبرنامج السياحي لأرضٍ كتب فيها التاريخُ صفحات لم تنقطع. صفحاتٌ الكثير منا لا يدرك كم هي قَيّمَةٌ، والكم الذي يجهلهُ منها. وأعطيكم مثالاً، في افتتاح مركز الملك عبدالعزيز «إثراء» في الظهران، ساهمت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بإعارة أجزاء من مجموعاتها الأثرية لشغل إحدى صالات العرض في المركز، وتصادف أن تزامن مروري بتلك الصالة بمرور مجموعة من كبار الآثاريين والمؤرخين السعوديين، وكانت فرصة ذهبية لأن أتعلم أشياءً جديدة، عن الكتابات القديمة، وعند الحضارات التي تعاقبت في أجزاء من الجزيرة.

هم يتحدثون وأشبه ما يكون بشريط درامي يَمرّ في خيالي. تجربةٌ لا تكاد تُصَدق. تصور لو أتيحت الفرصة للسواح للتعرف عن كثب على حياتنا وحيات من سبقونا في استيطان هذه الأرض، فما الذي سنكسبه؟ سؤال ما زال بعضنا يظن أن ليس لهذا السؤال إجابة!

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى