آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

الفرصة المذهلة

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الالكترونية

لنتذكر كيف غَيّرَ الإعلان عن ”الرؤية السعودية 2030“، قبل سنتين وتحديداً في 25 أبريل 2016، السياق كاملاً؛ سياق ما بعد النفط. كثيرون أصابتهم الدهشة أو حتى عدم التصديق: هل بإمكاننا العيش بدون نفط؟ لتتضح الإجابة بأن الأمر ليس استبعاد للنفط بل النظر إليه من ناحية أخرى، فهو ليس المورد النفيس الوحيد الذي نملك. وهذا ما لم يستوعبه - فيما يبدو - البعض حتى الآن.

ولهؤلاء، فقد تكفي الإشارة إلى أن دور النفط ليس مهدداً، بل النظر يتجه نحو تعظيم الاستفادة منه، وليس أبلغ على ذلك من المشروع الضخم المشترك بين العملاقين «أرامكو» و«سابك»، وهو تحويل النفط الخام إلى كيماويات، أي لقيم. تصور كم ستتصاعد القيمة، مقارنةً بتصديره خاماً! هذه فكرة محورية، تعظيم الاستفادة من الميزة النسبية، بمعنى استخراج النفط وتصديره يولد قيمة، أما تكريره إلى مشتقات فيولد قيمة أعلى، في حين أن تحويله إلى كيماويات فسيولد قيمة أعلى وأعلى، وليس هذا فحسب بل أن نمو الطب على الكيماويات أعلى عدة أضعاف من نموه على النفط الخام.

بوسعنا تعميم ذات الفكرة على بقية المزايا النسبية التي عددتها ”الرؤية السعودية 2030“، لنأخذ العمق الحضاري، وقوة الاستثمار، والموقع الجغرافي، ولنلاحظ كيف أخذتنا ”الرؤية“ في سياق أخر، فمثلاً لطالما أدركنا أن موقعنا الجغرافي متميز لكنا لم نفعل الكثير لاستغلال ذلك الموقع.

ودولياً، قبل الإعلان عن الرؤية كان الحديث السائد هو كيف ستتعايش المملكة مع تراجع إيرادات النفط، وما الذي بوسعها أن تتخذه من إجراءات. الآن، وتحديداً مع انطلاق جولة ولي العهد لدولٍ محورية، وتعدد الاجتماعات مع مفاصل اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي في تلك الدول، أخذت الصحف والمجلات الأكثر تأثيراً تدرك أن السعودية تعايش سياقاً جديداً، ليس سياسياً فقط بل اجتماعياً - اقتصادياً «socio - economic» أيضاً.

فهناك من كتاب الرأي الغربيين من كان يصر في البداية أن يُفسر التغييرات التي تمر بها السعودية باعتبارها سياسيةً محضة، ثم عدل موقفه إلى أنها تخضع لمعطيات الاقتصاد السياسي، ومؤخراً بدأت تظهر لنا مقابلات ومقالات تظهر إدراك أن التغييرات الأهم هي لتحقيق مجموعة متماسكة من الأهداف الاستراتيجية تحدثت عنها الرؤية بوضوح، ووضعت برامجاً لتحقيقها. وليس مستبعداً بالمرة، أن نجد العديدين من الكُتاب يعيدون قراءة الرؤية وبرامجها ومبادراتها بتمعن أكبر ليفطنوا لما تقدم عليه السعودية بإتباعها لخارطة طريقٍ تمتد حتى العام 2030، وكيف ستصبح السعودية أنئذٍ؟.

لعل من المناسب القول أن جولة ولي العهد لم تكن مجرد سلسلة من الزيارات الرسمية للالتقاء والتفاوض مع سياسيين، ولا حتى لمقابلة أساطين الاقتصاد والأعمال في تلك البلدان، على الرغم من أهمية ذلك نظراً لتأثيرهم البالغ. إذ يمكن الجدل، أن الجميع أخذ يدرك أن السعودية أمام سياقٍ جديد، يختلف نوعاً عما كان معهوداً ”نفطٌ وعقود تسليح“، إلى سياقٍ يحمل معه فرصاً مذهلة. هم يتدبرون في الفرص المذهلة، فيما ولي العهد يستعيد لبلاده المبادرة ويجلب ممكنات تحقيق الرؤية الطموحة.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى