آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

لماذا لم نشهد وحدة آسيوية على غرار «الأوروبية»؟

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

منذ وصل الرئيس الروسي لسدة الحكم، طرح بقوة تشكيل اتحاد أوراسي، لكن تحويل ذلك، إلى أمر واقع لم يأخذ مكانه إلا في عام 2014م، في منسك حين وقعت خمس دول على الالتحاق بهذا الاتحاد. هذه الدول هي روسيا الاتحادية وروسيا البيضاء، وكازاخستان وقرغيزستان وأرمينيا، وجميعها كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.

والهدف المعلن لتشكيل هذا الاتحاد، هو تحقيق التكامل الاقتصادي بين هذه البلدان، لتشكل ثقلا منافسا، للاتحاد الأوروبي. وهي تجربة وليدة لا تزال في المهد، ولا يمكن الحكم على نجاحها، من عدمه في وقت مبكر.

هذه المقدمة تقود إلى السؤال الذي يتكرر من قبل بعض الباحثين، حول الأسباب التي مكنت الأوروبيين من تحقيق وحدتهم، في حين لم تتمكن القارة الآسيوية من تحقيق اتحاد مماثل، بل إنها عجزت حتى عن تشكيل منظومة سياسية، على مستوى منظمة الوحدة الإفريقية.

هذا التساؤل، يغيب واحدة من أهم معطيات التجربة التاريخية، وهي أن كل تجربة إنسانية، إن في مجال السياسية أو الاقتصاد أو في كافة الأنشطة ذات العلاقة بالشأن العام، تملك فرادتها وخصوصيتها، بمعنى عدم إمكانية استنساخها في تجارب أخرى، وحتى في ظروف متشابهة. ذلك ينسحب على موضوع التكتلات والأحلاف السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي أخذت مكانها في التاريخ المعاصر.

إن قراءة أي تجربة إنسانية، لكي تكون قراءة موضوعية وصحيحة، ينبغي أن تقرأ في داخل التاريخ، وليس من خارجه، هناك تكتلات سياسية واقتصادية أخذت مكانها في جميع القارات:

الاتحاد الأوروبي، منظمة الوحدة الإفريقية، منظمة دول أمريكا اللاتينية، مجموعة البريكس، تجمع شنغهاي.. وتجمعات أخرى كثيرة. كل تكتل منهم أخذ مكانه ضمن ظروف تاريخية محددة وسياقات خاصة. تكتلات أخرى نشأت خلال الحرب الباردة، كحلف وارسو ومنظومة دول عدم الانحياز، لم يعد ما يبرر وجودها، بعد انتهاء الحرب الباردة.

المقاربة بين إمكانية قيام شكل آسيوي من أشكال الاتحاد، على غرار التجربة الأوربية أو الإفريقية، تبدو تعسفية. فالأوروبيون ينتمون في الأصل إلى لغة واحدة هي اللغة اللاتينية. ويتبعون إلا فيما ندر، الديانة المسيحية. ويجمع بينهم في الغالب شكل واحد من أشكال الحكم، هو النظام التعاقدي، المستند على الانتخابات وتداول السلطة، ووجود سلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية.

ولم يكن بالإمكان تحقيق الوحدة الأوروبية، خارج النتائج الكارثية للحرب العالمية الثانية، وما نتج عنها من برامج إعادة الإعمار، وعلى رأسها برنامج مارشال المعروف، وأيضا ارتباط الجزء الغربي من القارة الأوروبية، بالتحالف مع الولايات المتحدة، أثناء الحرب الباردة، وما نتج عنه من وضع تلك البلدان تحت حماية المظلة النووية.

وحين نأتي إلى القارة الإفريقية، وتشكل منظمة الوحدة الإفريقية، يقتضي التذكير بانتماء شمالها في جله للأمة العربية، وأنه يدين بالإسلام، أما جنوب القارة السوداء، فرغم التنوع في الأعراق والأديان، فإنه عاش ظروفا مشابهة، من حيث تعرض معظم بلدانه للاحتلال، وأيضا من حيث مقاومة بلدانه لهذا الاستعمار، في حقبة تاريخية واحدة، ارتبطت بتضعضع الاستعمار التقليدي، خاصة بعد سقوط فرنسا بيد الاحتلال النازي، واقتراب الألمان من احتلال بريطانيا، وخروج الأخيرة من الحرب، مثقلة بالدمار والخراب، والأعباء الاقتصادية الكبيرة والديون.

لقد كانت نتائج الحرب العالمية الثانية، وتضعضع الاستعمار التقليدي، فرصة اقتنصتها معظم شعوب القارات الثلاث، آسيا وإفريقيا القارة السوداء للتحرر من نير الاحتلال، وانتزاع استقلالها السياسي. وقد خلقت تلك الظروف مشاعر إنسانية جياشة، وعلاقة مصير مشترك، أسهمت في تعبيد الطريق لقيام منظمة الوحدة الإفريقية.

الوضع في القارة الآسيوية، مختلف جدا، عن الأوضاع في بقية القارات في هذا الكوكب. فهذه القارة، تحتل ما يقارب من ثلث مساحة اليابسة، في الكرة الأرضية. وبها ثلاثة أخماس سكانه. وتقع شمالا في منطقة القطب الشمالي، وجنوبا في المنطقة الاستوائية، بل قريباً من خط الاستواء. كما يوجد بها أعلى المناطق في العالم، وأكثرها انخفاضا.

والأهم من ذلك، فيما يتعلق بموضوع مناقشتنا، أنها تضم عدداً من النظم السياسية المختلفة، وهناك حكومات إلى أقصى اليسار، كما هو في الصين وفيتنام وكوريا الشمالية، وهناك نظم تنتهج النظام الديمقراطي على الطريقة الغربية، كما في الهند والفلبين. وقد شهد عدد من بلدانها أنظمة عسكرية مستبدة.

ويختلف سكان آسيا بشكل صارخ، عن بعضهم البعض من ناحية أعراقهم ولغاتهم وعاداتهم وثقافاتهم، ومعتقداتهم الدينية، وأساليب حياتهم. ويعاني كثير من بلدانهم من صراعات إثنية ودينية، ومن نزاعات حادة مع جيرانهم، كما هو الحال في الصراع التاريخي بين الصين واليابان، والصراع المعاصر، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بين الهند وباكستان.

والأهم من ذلك كله، أن المنطقة بأسرها، كانت محط أطماع القوى الخارجية، وكانت في القلب من التكتلات والأحلاف الدولية. ولم تملك أبداً خياراتها الخاصة.

إن مصدات تشكيل الاتحاد الآسيوي، عميقة جدا، يصعب تصور إمكانية حلها بالمدى المنظور، وبعضها ذاتي وبعضها الآخر موضوعي، وتجاوز هذه المعضلات يحتاج إلى حلول سحرية، لا تبدو ممكنة، على الأقل في المدى المنظور.