آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

ليلة الناصفة تخرج عن الشكل والمضمون

محمد سعيد الدبيسي

الفوضى العارمة التي ترافق إحياء ليلتي النصف من شعبان والنصف من رمضان المباركتين والمعبر عن كلتيهما «بليلة الناصفه».. قد أخدت مسارا غير محمود بصور من المبالغة في النفقات والسلوكيات والمظاهر العنفية، الأمر الذي أفقد كثيرا من نقائها ومظهرها الديني.. فبدلا من أن تنطبع مضامين تلك الليلة المباركة بدلالاتها على مجتمع الشباب.. تخلقا وانضباطا وتعبيرا عن الإبتهاج بمولد الإمام المعصوم ع وإظهار الود الولائي الإلهي والتأسي بأخلاقه بالسلوك الحضاري المتزن.. تتحول تلك الليلة إلى ليلة إللا نظام والصخب والهرج والأستهتار ومشاهد الإستهبال كلبس الأقنعة المضحكة والرش ببخاخات الرداد الأبيض على زجاج السيارات المارة وحمير تجر عربات وسيارات مكشوفة يرتقيها شبان يتمايلون وفرقعات هنا وهناك مايؤدي إلى سد الطرقات وإعاقة الحركة.

وعلى إيقاع الضجيج وأصوات الأناشيد تتشبع الأجواء بإنبعاثات روائح القلي والشواء من أحد المضايف التي باتت تتكاثر في السنوات الأخيرة.. حيث يتحمل عبئها وإعدادها نفر من المؤمنين الأفاضل جزاهم الله خير الجزاء..

وقد لاتخطئ العين من رؤية بعض المضايف متخمة بأشكال من الطعام والمشروبات التي يتم تجهيزها توا ومسبقا ومقبلات وقائمة منيو طويلة يصعب حصرها تحت صور خد وهات وزحام وصراخ وأيادي ممدودة تزاحم بعضها حتى لتشعر كما لو أنك في كرنفال صاخب يتخلله مطاعم وبوفيهات ميدانية ورسمية..

برأيي المتواضع.. لو أن المؤمنين الأفاضل حفظهم الله يعيدون النظر في مسألة المبالغة وتنوع الأطعمة الموزعة ويقتصرون على صنف واحد أو صنفين فقط لكان أبلغ في الهدف والأقتداء وضمان الأستمرار.

فقد باتت ليلة الناصفة عند بعض العوائل تشكل عبئ مند أن تحولت عادة قرقشة الأطفال من «السكسبال المخلوط بالحلاوة» إلى الإبتداع المكلف في تنوع مواد التوزيع وما يرافق ذلك من مصاريف باهضة.

القريقشون - اليوم - رويدا رويدا يخرج عن شكله ومضمونه بسبب الإبتداع والمنافسة والإسفاف.. هناك شعور بأن المناسبة أصبحت تفقد وهجها وبريقها الروحي العفوي كونها فلكلور شعبي تنبثق طاقاته من معين الولاء العاطفي والحب الخالص لؤلائك الزمرة المطهرة الذين أدهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.. فكان في هذا سر الديمومة والبقاء عبر أمتداد السنين والعقبات.

كلمة أخيرة لنا ولأرباب البيوت المحترمين.. أقول إذا رأى أحدنا طفله يجر كيسا ثقيلا يزحف به نحو بيته.. لايعجب.. فقد يكون بداخله أطعمة مغلفة ومعلبات معدنية ومكرونات ومعمول وهدايا ولعب ونقود وربما محشى ورق عنب.. إلخ،

وفي سياق التنظيم مرة أخرى نسأل.. كم لنا من التجارب في مجال إحياء المناسبات الدينية بجهود شعبية مشكورة.. لكننا نفشل في الإخراج الفني لتنظيم الحشود في ليلة الناصفة وتنتهي الإحتفالات الميدانبة الكبيرة بصورة بائسة تبعث على الإحباط.. كثير منا يحرم نفسه من الإستمتاع والمشاهدة ولا يعيش الأجواء المفرحة بسبب شلل حركة الشارع وطوابير السيارات التي تبدو واقفة لما يعيقها.. نعم هناك جهود وأموال وأوقات تبدل.. حري بكل الطاقات المبدولة بأن لاتدهب سدى بل صدى وفن في التنظيم من أجل وصول الجهود إلى أهدافها المرجوة.

آخر الكلام.. لحصول المعايشة الفعالة والأستقطاب والإطلاع على المستوى المقدم من أجل الرقي والإفادة ومن أجل البعد الإعلامي أيضا.. لابد من تهيأة وتأمين مسارا حرا يسمح بمرور السيارات مرورا يسيرا بحيث يمنع أي إعاقة لحركة المشايا من الرجال والنساء والمرافقين من الضيوف إن وجد، وحتى أيضا يتمكن كل منا من جلب عائلته للمشاهدة ومعايشة أجواء الفرحة الجمعية عن كثب ودمتم.. وكل عام وأنتم بخير.