آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 12:49 ص

رمضانيات ”19“

محمد أحمد التاروتي *

هناك فرق شاسع بين الخصومة المبدئية، والخلاف المصلحي، فالأول ينطلق من مرتكزات عقائدية، ومبادئ الهية، بينما الثاني يرتكز على الاهواء، والمصالح الدنيوية، الامر الذي يكشف الفرق الكبير بين الطرفين، لاسيما وان الخصومة المبدئية تسير في خط متوازي مع الباطل، مما يجعل عملية الالتقاء مستحيلة، وغير متصورة على الاطلاق، فيما عملية المصالحة في الخلافات المصلحية ممكنة، وغير مستغربة، خصوصا وان التقاءالمصالح يؤسس لتقريب وجهات النظر، واحيانا تشكيل تحالف في وجه الطرف الثالث.

الخصومة المبدئية تؤسس لكيان، قادر على أنصاف المظلوم، ورفض القهر من الطرف القوي، ”افضل الجهاد كلمة حق امام سلطان جائر“، بمعنى اخر، فان التمسك بالمبادئ يحول دون التقرب من الظالم، وعدم التهاون، او السكوت عن الممارسات غير المستقيمة، ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ، وبالتالي فان المقياس في اختيار الطريق الصعب، المبادئ والقيم الدينية، ”قس الرجال بالحق، ولا تقس الحق بالرجال».“، فعملية المقاربة مع الرجال مرتبطة، بمدى الالتزام بالحق بالدرجة الاولى، من يبرز قول الامام علي لابني عَبَّاسِ: مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لَا قِيمَةَ لَهَا! فَقَالَ وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا

الثبات على الخصومة المبدئية، يتطلب قدرة غير اعتيادية، وصلابة لا تزلزلها الجبال، خصوصا وان الإغراءات والضغوط الاجتماعية، واحيانا الظروف الاقتصادية، تدفع باتجاه تقديم التنازلات، والتخلي عن المبادئ، والجلوس على طاولة واحدة مقابل الظالم، ”ما ترك لي الحق من صاحب“، وبالتالي فان مقاومة تلك الضغوط على اختلافها، ليست متاحة للجميع، ”أمرنا صعبٌ مستصعب لا يتحمله إلا ملكٌ مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان“، مما يستدعي محاولة توطين النفس لمواصلة المشوار، للوقوف في وجه تلك الإغراءات على اختلافها، خصوصا وان خطر السقوط قائم في كل لحظة، فهناك الكثير من الشخصيات التي تساقطت في الطريق تحت إغراءات ”الابيض والأصفر“، احيانا استجابة لضغوط المحيط الاسري، مما أدى للتحول باتجاه المعسكر الاخر، بحيث اضحت صوتا مدافعا عن الظالم، وسوطا مسلطا على المظلوم.

الايمان الراسخ بالمبادئ، يدفع باتجاه مقاومة الإغراءات على اختلافها، لاسيما وان القوة المعنوية قادرة على مقاومة الإغراءات المادية، فالواسوس الشيطانية تدفع المرء بالاتجاه الاخر، لذا فان تقديم التنازلات لا يكون في البدية كبير، حيث يكون على شكل خطوة صغيرة، باعتبارها خطوة غير مؤثرة في المواقف الكبرى، بيد ان الخطوة الواحدة تعقبها خطوات اخرى، بحيث تتحول الخطوات المتلاحقة، الى تنازلات متواصلة، مما يحيل الخصومة المبدئية بعد فترة الى مصالحة مع الظالم.

فيما الخصومة المصلحية، تتحرك وفقا للمكاسب الشخصية، حيث تتحول الخلافات الى محبة وسلام، بمجرد تلاقي المصالح، الامر الذي يفسر تحالف بعض الخصوم، بعد خلافات حادة استمرت لفترات طويلة، فالمقياس في الخصومة المصلحية، القدرة على تحقيق المكاسب، دون النظر للمبادئ، فالتاريخ يتحدث عن خلافات عميقة تحولت الى تقارب، اذ لا توجد غضاضة بالاعتراف بأولاد السفّاح بالاخوة الشرعية، خصوصا في ظل وجود مصلحة، تقود الى الاعتراف الإخوة الزائفة.

كاتب صحفي