آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

رمضانيات ”22“

محمد أحمد التاروتي *

تصفير الخلافات تحرك محمود، وينم عن قلب صافي، وروح سامية، لا تلقي بالا لصغائر الامور، بقدر ما تهتم بأمهات القضايا، ذات الأثر الكبير، على المسيرة الاجتماعية، لاسيما وان الاشتغال بالتوافه يحجب الرؤية عن النظر للازمات الكبرى، التي تعرقل الوصول الى الاهداف السامية، مما يستدعي الترفع عن الخلافات التافهة، والابتعاد قدر الإمكان عن الانغماس، في تلك الامور، والتفرغ للمهمات المصيرية.

الترفع عن الخلافات الهامشية، ومحاولة غض الطرف عنها، قدر الإمكان، لا يعني عدم محاولة حلها، وإيجاد الحلول المناسبة، والتحرك الجاد للتضييق عليها، وسد الأبواب امام انتشارها، في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان استفحالها يعظم من شأنها، مما يجعلها جزء من اهتمامات الرأي العام، وبالتالي فان إعطاء الخلافات الصغيرة قدرا من الاهتمام، يعكس مستوى كبير من المسؤولية، ويكشف نوعية التفكير، والطريقة المناسبة، لإدارة الخلافات بالأسلوب المناسب، لاسيما وان تقريب وجهات النظر، وتحجيم المشكلة، يسهم في القضاء عليها في المهد.

الخلافات جزء من الطبيعة البشرية، جراء اختلاف المصالح، وتنوع الاهتمام، وسيطرة ثقافة ”الغلبة“، على تفكير البعض، مما يدفع بعض العناصر لافتعال أزمات صغيرة، واحيانا من نسج الخيال، من اجل الدخول في صراعات، لفتح الطريق امام السيطرة، وتخريب العلاقات الاجتماعية، بيد ان التحلي بالحكمة، والقدرة على امتصاص ردات الفعل، والقراءة الدقيقة لغايات واهداف الاطراف الاخرى، تشكل احد العناصر في استيعاب تلك الازمات، وايجاد القنوات المناسبة لاحتضانها، خصوصا وان وضع الخلافات في الإطار المناسب، ومحاولة التحرك وفق المصلحة العامة، يساعد كثيرا في تفويت الفرصة، على الاطراف الاخرى في تضخيم الازمات، وخلق مشكلة كبرى في المجتمع.

وضع أهداف كبرى في المسيرة الحياتية، ورسم مخطط مستقبلي واضح المعالم، عناصر ضرورية للقضاء على الخلافات الصغيرة، فالمرء الذي يضع أهدافا استراتيجية، لا يلتفت للخلافات الجانبية، مما يدفعه للتغاضي الدائم عن الاساءة، لنشر المحبة والسلام، والابتعاد عن التشاحن والبغضاء، ”خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ“، وبالتالي فان جميع المحاولات لايقاف المسير، باتجاه الاهداف الكبرى مصيرها الفشل، جراء الارادة الصادقة، والعمل الجاد، باتجاه ترجمة القضايا الكبرى، على ارض الواقع، الامر الذي يفسر تجاهل الكثير من العظماء للاساءات، التي يتعرضون لها، فهؤلاء يبادلون الاساءة بالعفو، وسوء الخلق بالمعاملة الحسنة، مما ينعكس إيجابيا على إشاعة السلام، وامتصاص التباغض من القلوب.

القدرة على التسامح، ومبادلة الاساءة بالعفو، ليست متاحة للجميع، بيد ان المرء قادر امتلاك هذه الصفة الاخلاقية، فالإرادة الصادقة تجعل من المستحيل أمرا ممكنا، بمعنى اخر، فان محاولة النظر للخلافات الصغيرة بالصورة الواقعية، يساعد على تصفيرها، وعدم الاهتمام بها على الاطلاق، فكلما تصاغرت الخلافات كلما تضاءلت في مستوى الاهتمام، فيما تسيطر على قدرا كبيرا من الاهتمام، بمجرد اعطائها اكبر من الحجم الحقيقي، لذا فان اصحاب القضايا الكبرى، يتحركون مع الخلافات الجانبية، بعدم الاهتمام والتجاهل، الامر الذي ينعكس على طريقة المعالجة، وسرعة إيجاد الحلول المناسبة.

كاتب صحفي