آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:01 م

المكيال.. التقدم

محمد أحمد التاروتي *

غياب العدالة الاجتماعية، وسيطرة الواسطة، واختفاء تكافؤ الفرص، وازاحة الكفاءات، وانتشار المحاباة، عوامل تحول دون احراز التقدم في الامم وتعرقل مسيرة النهوض الشاملة، لاسيما وان التعامل بموازين متفاوتة، في المحيط الاجتماعي وكذلك التعاطي باسس غير ثابتة، يساعد على انتشار التململ والحنق في الكيان الواحد، جراء انعدام معيار المسافة الواحدة مع الجميع، سواء لأسباب قبلية او عرقية او عصبية، فالنتيجة تصب في خدمة تفتيت التماسك الداخلي، وفتح ثغرة قابلة للاتساع، مع انتشار العديد من المفاهيم الخاطئة.

التعاطي بمقاييس مختلفة داخل البيئة الاجتماعية، يسهم تفكيك المفاهيم الاخلاقية، خصوصا وان الثقافة السائدة في اللاشعور الاجتماعي، تحض على تغليب المساواة، والتعامل مع الجميع بمسافة واحدة، بعيدا عن الاعتبارات الشخصية، والضغوط الاجتماعية، والمصالح القبلية، بيد ان ضرب تلك الثقافة بعرض الحائط، يولد حالة من الصدمة النفسية، ونوع من الاستغراب في الوقت نفسه، نظرا لسيطرة النوازع الشيطانية على المبادئ الاخلاقية، الامر الذي ينعكس على نوع من الضياع، و”الكفر“ بمجموعة المفردات الثقافية السائدة، جراء التباين القائم والملموس على ارض الواقع، لاسيما وان هناك شرائح تحاول حرف القيم باتجاه اخر، انطلاقا من قناعات معاكسة للمبادئ الاخلاقية.

الميزان يمثل قمة العدالة الاجتماعية، فالتعامل بنوع من المسؤولية، وتقديم المصلحة الوطنية، على الاعتبارات الشخصية، يسهم في انتشار الثقافة الاخلاقية ويقضي على المفردات الاستغلالية، خصوصا وان البعض يحاول الاستفادة من الثغرات لتكريس ثقافة طارئة، الامر الذي يحدث حالة من الامتعاض وعدم الرضا، لاسيما وان رؤية المبادئ الاخلاقية تتهاوى امام أنظار الجميع، يحرك البعض لمحاولة الاستفادة من هذه البيئة الفاسدة، للقفز على الجميع والحصول على المكاسب الذاتية، وبالتالي حرمان بعض الشرائح من الاستفادة من الفرص المتاحة، انطلاقا من مبدأ تكافؤ الفرص، مما يعرقل عملية تعبيد الطريق امام الكفاءات، وطرد العناصر الفاسدة، من احتلال المواقع في مختلف المواقع.

استبعاد العناصر الكفوءة من استلام المواقع المستحقة، وعدم اتاحة الفرصة لها، للقيام بدورها الوطني لترجمة افكارها وقدراتها، يساعد على البقاء في مؤخرة الركب، ويمنع التحركات الصادقة للنهوض الحقيقي، وتطبيق المبادئ الاخلاقية، الرافضة لسياسة الكيل بمكيالين، نظرا لخطورة هذه الثقافة على البناء الفكري، والتماسك الداخلي، لاسيما وان التقدم مرهون بوجود عناصر قادرة، على محاربة جميع اشكال الفساد، ورفض مبدأ العمل تحت ”الطاولة“، حيث تحرص على العمل بكل شفافية، في مختلف الحقول.

محاربة ازدواجية المعايير، والعمل ضمن خط مستقيم، ورفض مختلف اشكال الإغراءات، للتنازل عن المبادئ الاخلاقية، عوامل اساسية لوضع المجتمع على سكة النهوض، خصوصا وان سيطرة ثقافة ”المسطرة الواحدة“، تحفز على تفجير الطاقات لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، نظرا لإدراكها بوجود مساحة واسعة، لاستقبال تلك الكفاءات، مما ينعكس إيجابيا على الحركة النهضوية، في مختلف المجالات، فالعملية ليست محصورة في قالب واحد، او جانب محدد، بل تشمل جميع النواحي، لاسيما وان عملية للنهوض تتطلب استقطاب جميع الكفاءات، باعتبارها مهمة تكاملية، وتراكمية في الوقت نفسه

كاتب صحفي