آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

نقاشاتنا بين المحلي والعالمي

حسين أحمد بزبوز *


متى ما أصبحت نقاشاتك بالمستوى الذي يبهر ويهم كل البشر، متجاوزةً المحلية وكل التصنيفات والتقسيمات والهويات المناطقية والعقدية والعرقية والطبقية، كنت بذلك ذلك الإنسان الواعي الذي نحلم به والذي يستطيع حقاً ملاحقة وسبر مختلف قضايانا البشرية بعمق وتمكن، ليضع الحلول على جراحنا كما ينبغي، ويشير في أفق البوصلة إلى إتجاه الحلول المجدية، أو هكذا أحسب.

لكن أكثرنا دون ذلك المستوى من الأممية كما يبدو، غارقون في بيئاتهم المحلية وجدلياتها الضيقة، ليس من باب ترتيب الأولويات وتصنيف الضرورات، وليته كان كذلك، فذلك من اللازمات التي لا جدال فيها، ولكنهم كذلك بسبب ضيق الأفق وعدم القدرة على قراءة الآخر ولا التخاطب معه بخطاب ومنطق عابر للحدود أممي يمثل «لغة العصر» يطرق أسماعهم ويستطيعون سماعه، أو هكذا أحسب.

ولذا هنا فعندما نملك فكراً عقدياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً... الخ ضحلاً هكذا بلا منطق عميق وخطاب بارع، فستكون نقاشاتنا حتماً غير قادرة على تخطي الحدود، ليس من باب رفض الآخر لها تعنتاً على الرأي والمذهب والموروث، بل من باب آخر هو ضحالة الأفكار المطروحة، وعدم قدرتها على هز طبلة أذن الآخر ليسمعها ويناقشها، فهي أتفه من ذلك، فالفكرة القوية وإن كانت مخالفة ستجد من يلتفت لها وراء الحدود من النخب في المجتمعات والأمم الأخرى أقلاً، لأن هناك حتماً دائماً من يبحث عن الأفكار القوية الجادة. ولأن الأفكار القوية أحياناً بنفسها تفوز وتهز شعوباً وأمماً وتخترق حدودها بما يدرك من قوتها. أو هكذا أحسب.

وهنا فالواجب أن نفهم معضلتنا تلك، وأن نلتفت لأنفسنا وذواتنا وحجم الكفاءات في مجتمعاتنا التي نفاخر بها دوماً، فكم نملك من أمثال هؤلاء، ممن يعبرون الحدود قراءةً وخطاباً ومنطقاً وفكراً، سواءً في منابرنا الدينية أو في وسائل إعلامنا الحديثة، ليستقبلوا الثمين ويرسلوا الثمين أيضاً؟

فإذا كنا دون المستوى المطلوب وجب التصحيح، وإذا كنا في مستوى جيد يجب أن يحترم، فيجب أن نضج وأن نشك، فلماذا يبدو أغلب خطاباتنا وخطبنا على السطح ركيكاً ضعيفاً مهزوزاً، لا يتجاوز مستوى مستحبات ومكروهات دخول الحمام، بل إنه في كثير من المواقف مضر ومتهم ومطارد ومجرم ومستهزأ به، في حين أراد الله أن نكون أمة عظيمة عالمية الخطاب والأهداف والدور تحمل الخلاص والنجاة والهداية والنفع لكل البشرية؟!.

لقد لفت نظري مؤخراً، الجدل الدائر في بلاد المغرب العربي، وهي بلاد عربية وإسلامية بالطبع كما يعرف جميعنا، يهمنا ويمسنا بقوة ما يجري فيها، لأن شبكة العلاقات والأفكار والتموجات وقواميس المفاهيم متداخلة ولصيقة جداً في هذه المنطقة العربية والإسلامية، وهنا يأتي طرح مواضيع حساسة بقوة على طاولة الإصلاح الإجتماعي الثوري في تلك الدول والمجتمعات كما يشار له، كالمساواة بين المرأة والرجل في المواريث، وإلغاء عدة المرأة، وإلغاء عقوبة الإعدام أو حصرها في قضايا محددة ناتجة عن القتل فقط، بالإضافة لمواضيع أخرى جدلية حساسة جداً في الشؤون الجنسية الشخصية، لتقرع جميعها جرساً قوياً في آذاننا لو كنا نسمع، أن: هل نحن بمعزلٍ عن ذلك كله؟ ولماذا؟ وأوليست تلك المواضيع تمس أصلاً من أهم أصول الدين لدينا هو «العدل» وتنادي ب «الإصلاح والمساواة» بشكل جارح لقناعاتنا؟ ثم إن تلك القضايا تطرق أبواب القوانين المدنية خصوصاً في ظروف تنوع نسيج المجتمعات ولا يوجد مجتمع إلا به شيء من ذلك التنوع، وفوق هذا كله فطبيعة التنوع ضمن النسج الإجتماعية تعد حالة متقلبة بطبيعتها متأثرة بعنصر الزمن وقابلة للتحول وإن ببطء في مختلف الأوطان مهما بدا التنوع منعدماً في فترة من الفترات فيها، ما يلقي بظلال حاجات أممية تنظيمية شائعة، لذا فلماذا نعيش في معزلٍ عن تلك التحولات والجدليات قراءةً ونقاشاً وخطاباً؟.

في الختام، هل نحن ملمون بما يجري من حولنا؟ أم نحن محليون في خطابنا ونقاشاتنا وفهمنا ووعينا، منغلقون عن العالم من حولنا، وغير قادرين على التفاهم معه والإندماج فيه حد التفاهة؟ أم أنها فقط قضية ترتيب أولويات؟ أو حالة طبيعية في كل الأمم؟ أم هي أزمة عوام؟ أو نخب؟ أم أن ما لدينا هو الأفضل فترفعنا عن نقاشات الآخرين؟ أم ماذا؟.

كاتب سعودي «القطيف»