آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

المرأة تصنع التغيير

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

سيبقى يوم الأحد 24 - 6 - 2018 يوماً راسخاً في ذاكرة السعوديين طويلاً... هو يومٌ فاصلٌ بين مرحلتين، بين زمنين، وبين ثقافتين. اللحظة التي خرجت فيها المرأة من بيتها لقيادة السيارة لا تشبه ما قبلها أبداً... لحظة انتظرناها طويلاً، انتظرها الرجال التواقون لصنع التغيير، مثلما انتظرتها النساء اللاتي يردن من خلالها أن يعشن ويلمسن ويشعرن فعلاً بقوة «تمكين» المرأة، وحضورها في المجتمع.

لحظة مهمة ومدهشة! لا يمكن إغفالها؛ فالسماح بقيادة المرأة للسيارة في السعودية ليس مجرد إضافة «سائقات» على طريق مزدحم أصلاً، بل هو تغييرٌ يمس بنية ثقافة المجتمع وصورته وهويته، أما مساحة هذا التغيير فلا يستطيع أحدٌ اليوم أن يتنبأ بحجمها ومداها.

هناك من قاوم التغيير على مرّ الزمان، خوفاً على الثقافة السائدة، وعلى منظومة القيم المتوارثة، وعلى نمط التدين وعلى العادات والتقاليد، ولم يتم الالتفات إلى حجم الضرر الناتج عن تعطيل حركة المجتمع والدولة وعن تأخير التنمية الثقافية والإنسانية، وعن الفجوة التي تفصلنا عن العالم... كانوا يخوّفوننا من «التغيير»، وبعضهم كان يلوّح بالويل والثبور والشر المستطير، لكن المرأة خرجت في 24 - 6 - 2018 لتمتلك قرارها، وتعبِّد الطريق نحو المستقبل، ولم يحدث شيء مما حذروا منه.

العالم كله اهتّم بهذه اللحظة، بعض المثقفين وضعوا أيديهم على الوتر الأكثر أهمية في هذا الإجراء... الكاتب عبد الرحمن الراشد قال إن «هذا التجاسر الحكومي النادر من نوعه في تاريخ السعودية على كسر المحظور اجتماعياً نراه يحقق نتائج سريعة ومدهشة، ويقود المجتمع عموماً نحو التغيير، وكل ما رأيناه حتى الآن يقابَل بشكل إيجابي وسلمي وسلس». ويضيف: «الذين ينظرون بتهكم إلى التغيير، عدا عن جهلهم بالظروف التاريخية والتقاليد المحلية من موروثات من الممارسات الخاطئة، لا يدركون أنه ليس سهلاً مواجهتها».

غسان شربل، رئيس تحرير «الشرق الأوسط» قرأ هذه اللحظة من زاوية مهمة: «في اعتقادي أن أبرز ما حصل هو إطلاق حالة من الأمل داخل المجتمع، وخصوصاً لدى الشرائح الشابة وهي تشكّل الأكثرية الساحقة. ومن دون حالة الأمل هذه لا يمكن تذليل الصعوبات ولا ترجمة السياسات وتحصينها. فحالة الأمل هي استدراج للطاقات بغية توظيفها في معركة المستقبل». ويضيف: «أخطر ما يمكن أن يُصاب به شعب هو أن يعتبر أن أبواب الأمل موصدة، وأن الجدران أكثر من المفاتيح. وأن السلامة تقتضي ترك الأشياء كما كانت، وأن فتح الملفات يعني فتح أبواب المجهول»، ثم يقول: «اختارت السعودية السير في الاتجاه المعاكس لحالة الإحباط واليأس المستشرية في مناطق واسعة من الشرق الأوسط».

أما المفكر الأستاذ إبراهيم البليهي، فقال: «الأكثرية من النساء في المملكة ستبقى غير مهتمة بأن تقود لكن الدلالة المهمة هي الاعتراف بامتلاك المرأة لمقومات الوجود الفردي المستقل؛ فهذا اليوم سيبقى ذكرى عظيمة فاصلة بين عهدين، فاليوم تتجسد أهلية الوجود الفردي للمرأة بعد أن تم غمطها وحجبها وحرمانها منها». ويضيف: «دلالة ما حصلتْ عليه المرأة اليوم ليست خاصة بالنساء، بل هي دلالة عميقة شاملة لمعنى الوجود الإنساني: نساءً ورجالاً... إنه التأكيد القانوني والعملي لقيمة الإنسان والاعتراف بأهليته الفردية، وهذا هو المضمون الأكثر أهمية والأعظم دلالة».