آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

المواقف.. السياسة

محمد أحمد التاروتي *

تلون المواقف امر شائع لدى الكثير من البشر، فالبعض
مرتبط بتبدل القناعات، واكتشاف عدم صوابية المواقف السابقة، مما يستدعي اعادة ترتيب الاوراق مجددا، والوقوف في الصف المقابل، انطلاقا من مبدأ ”الاعتراف بالحق فضيلة“، فالتحول من الطريق الخاطئ الى جادة الصواب، يحظى بالاحترام والقبول، خصوصا وان الاصرار على الباطل يولد الضياع والخسران، وبالتالي فان الانتقال من فريق الى فريق اخر بحاجة الى شجاعة، وقدرة على مواجهة الضغوط، خصوصا وان الفريق السابق لن يترك الامور تجري دون عراقيل، الامر الذي يستدعي على توطين النفس، على نتائج تبديل المواقف والسابقة، واتخاذ مسار مغاير تماما للقناعات السابقة.

بينما يمارس يمارس البعض هواية ”تلوين“ المواقف، وفقا للمصالح دون النظر لمبدأ الخطأ والصواب، فالمواقف قابلة للبيع والشراء وفقا لقدرة المشتري على الدفع، بمعنى اخر، فان الثوابت تبقى ضمن الشعارات، التي ”لا تغني ولا تسمن من جوع“، فكل شيء قابل للتفاوض والمساومة، الامر الذي يفسر سرعة المواقف الصادمة، التي يطلقها البعض، تجاه مختلف القضايا الاجتماعية، اذ تتحول تلك المواقف رأسا على عقب، بمجرد الحصول على الزبون الراغب في الشراء، مما يحيل المحرمات السابقة الى اشياء مباحة، ومن الامور المقدسة.

فيما يتبرع البعض لاصدار المواقف مجانا، فهو لا يجد غضاضة في الانتقال طواعية، للطرف المقابل دون سابق إنذار، اذ تشكل الاغراض الشخصية احد المحركات، في التبدل الحاصل في المواقف، حيث يحاول التقرب من صناع القرار للحصول على المكاسب، وتحقيق هوامش من النفوذ الاجتماعي، فهذه النوعية من البشر تتحرك مع القوي، دون النظر الى المبادئ او الاخلاقيات، بمعنى اخر، فان مغريات السلطة تحرك هذه النوعية ي اتخاذ المواقف المؤيدة للطرف القوي، خصوصا وان الوقوف في الصف المعارض، يحول دون التمتع ببعض الهدايا او المناصب الاجتماعية، خلال الفترة القادمة، مما يدفع لتقديم فروض الطاعة بشكل مجاني في البداية، من اجل الحصول على الرضا والقبول في نهاية المطاف.

المواقف المستندة على جدار الطرف القوي، سرعان ما تتحول الى الصف المقابل، بمجرد الشعور بانحسار القوة لدى الفريق السابق، خصوصا وان مبدأ البيع والشراء يكون الحاكم في الغالب، الامر الذي يفسر عدم اهتمام بعض القوى السياسية، بمواقف بعض العناصر، نظرا لإدراكها بالاهداف الحقيقية الكامنة وراء التبدل الحاصل، لاسيما وان المواقف المؤيدة تثير الاستغراب كثيرا، نظرا لوجود سجل حافلة من المواقف السلبية في الفترة السابقة، بمعنى اخر، فان تبديل المواقف ليس تجارة رابحة على الدوام، فهذه السياسة محفوفة بالمخاطر، تبعا لقراءة الطرف المقابل للمواقف الجديدة، وبالتالي فانها بمثابة اللعب بالنار، مما يعرض أصحابها للحرق، وذهاب الأحلام المنسوجة ادراج الرياح.

انتهاج سياسة الاعتدال في المواجهة، والابتعاد عن الإفراط في التعويل على رضا الطرف الاخر، يمثل عنصرا حيويا في كسب الاحترام، فالأطراف على اختلافها تنظر بعين التقدير والاحترام، لاصحاب المواقف العقلانية، التي تتخذ المواقف وفقا للقناعات، وانطلاقا من المبادئ الاخلاقية، فضلا عن ترجيح المصالح العامة، على الاهواء الشخصية.

كاتب صحفي