آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 8:44 م

تطوير القضاء الجعفري وتحصينه.. ضرورة مجتمعية

حسن المصطفى *

بصدور قرار وزير العدل السعودي د. وليد الصمعاني، تعيين الشيخ عبد العظيم المشيخص، قاضيا لدائرة الأحكام والمواريث في محافظة القطيف، يكون أُسدل الستار على فصل من أكثر فصول تاريخ القضاء الجعفري إشكالية ودموية، بعد أن خطف مجموعة من المتطرفين القاضي السابق الشيخ محمد الجيراني، في ديسمبر 2016، ليتم العثور على جثته بعد نحو عام، مقتولا!.

الحادثة ”الإرهابية“ التي لم تكن معهودة في المجتمع المحلي في القطيف وضواحيها، وقف الجميع ضدها، معتبرين أن التعرض لمنصب القضاء فيه تهديد للسلم المجتمعي. وهو المنصب الذي بقي شاغرا منذ تاريخ الاختطاف، حتى تعيين المشيخص.

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، استقبل عائلة الشيخ الجيراني بعد الكشف عن الجريمة، ومنحهم رعايته، في رسالة ملكية يراد منها القول إن منصب القضاء ليس مساحة لعبث المتطرفين، وأن أجهزة الدولة ستقوم بواجباتها لصيانة واحدة من أقدم مؤسساتها العدلية في المنطقة الشرقية، وأن الإرادة الملكية ستواجه الإرهاب أيا كان مصدره، وتدافع عن المواطنين دون تمييز بين منطقة او مذهب أو أي اعتبارات فرعية أخرى، فالجميع سعوديون، وفقط.

القاضي الجديد الشيخ عبد العظيم المشيخص تنتظره مهام كثيرة ذات طابع: إداري، اجتماعي، وإرشادي. ويمكن تفصيلها في التالي:

1. إداريا: تحتاج دائرة الأوقاف والمواريث إلى تطوير في آلية عملها، وزيادة عدد القضاة المساعدين، وسرعة إنجاز المعاملات، والتخفف من البيروقراطية. وهذا من شأنه أن يعين الناس على تقليل وقت انتظارهم. وفي حال استطاع القاضي المشيخص تقديم رؤيته التحديثية الخاصة، وتوسيع الدائرة وتحويلها إلى محكمة بصلاحيات أوسع تمنحها لها وزارة العدل، سينعكس ذلك إيجابيا على الخدمات المقدمة للمتعاملين.

وفي هذا المجال هنالك ملفات ملحة، تتعلق ب: الأوقاف، المواريث، الطلاق. وهي الثلاث قضايا الأكثر إلحاحا في الوقت الحالي، وتحتاج إلى تنظيم حقيقي وعاجل.

هذا التطوير لا يمكن أن يتحقق دون أن يتحول جهد القاضي إلى روح العمل المؤسسي الجماعي والمنظم، بحيث يضم فريقا متنوعا من الكفاءات، وتتم الاستعانة بخبراء قانونيين، وأخصائييين اجتماعيين واقتصاديين، لتكون الأحكام الصادرة مبنية على رؤية علمية موضوعية، وليست مجرد اجتهاد فردي كلاسيكي وحسب.

2. إجتماعيا: بُعيد وفاة الشيخ عبد الحميد الخطي في إبريل 2001، انتهى الدور الاجتماعي والديني والسياسي الواسع للقاضي، بوصفه قاضيا وزعيما دينيا في آن واحد. ورغم بعض السلبيات التي نجمت عن ذلك، إلا أنه يمكن النظر إلى الموضوع بإيجابية، باعتبار أن هذا الدور كان يشكل حملا ثقيلا على القاضي، ويدخله في بعض الأحيان في كثير من التعقيدات. والآن بعد أن انزاح هذا العبئ عن القضاة، يمكنهم التفرغ لممارسة الدور الاجتماعي الخاص بحل مشكلات الناس، مثل علاج ازدياد حالات الانفصال الأسري، أو الخلافات على الإرث بين العائلات، كما ضياع الأوقاف وسوء إدارة مداخيلها. وجميعها قضايا تمس المجتمع بشكل مباشر.

3. إرشاديا: القاضي بما له من احترام في أوساط المجتمع، وقيمة علمية، عليه مسؤولية تنويرية إرشادية، لا بالمعنى التبشيري الأبوي الفوقي، وإنما فيما يتعلق بمفاهيم هي جزء من صميم عمله، مثل أهمية ترسيخ ثقافة سيادة القانون، واحترام النظام، ومرجعية الدولة، والعدالة الاجتماعية، والمواطنة المتساوية. وهي مفاهيم ضرورية لبناء الدولة الحديثة. واعتناء القاضي بها دليل وعيه القانوني، ومعرفته بتطور المنظومة الحقوقية.

القاضي الشيخ عبد العظيم المشيخص، ستكون عليه مهمة إنجاز الملفات السابقة، وعلى النخبة والمجتمع والأجهزة الرسمية محل الاختصاص مساعدته فيها، كي يكون للقضاء مؤسسته القوية وموقعيته واحترامه، بما يحقق مصالح الناس وينظم شؤونهم، ويرسخ مرجعية القانون ويحفظ هيبة موقع القضاء وفاعليته.