آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

النزاعات.. الاخلاق

محمد أحمد التاروتي *

يعرف المعدن الثمين من البخس في النزاعات، حيث يستغل البعض هذه الظروف، في التحرر من القيم، وانتهاج مختلف أساليب الخبث والدناءة، مما يخرج الصراع من سياقه، خصوصا وان النزاعات ليست مدعاة لارتكاب الفظائع، وتناسي الاخلاقيات، فالبحث عن النصر يكون على حساب التخلي عن القيم الانسانية، بحيث يتحول البعض من إنسان مسالم في أوقات الرخاء، الى شخص مختلف تماما، من خلال التلذذ بآهات وعذابات الاخر، بمعنى اخر، فان الصراع المؤقت او الدائم، يكشف الوجوه الحقيقية، التي يحاول البعض التستر خلفها، خلال فترة الوئام والمحبة.

النزاعات تشكل نقطة تحول، ومفترق طرق في مسيرة البعض، فهو لا يتورع عن التعبير عن الحقد الكبير، عبر مختلف الممارسات على الارض، حيث تتساقط أمامه الخطوط الحمراء، ويتجاوز جميع المحرمات، بمعنى اخر، فان يحاول تبرير الممارسات الاجرامية بضرورة المرحلة، ومتطلبات الصراع القائم، مما يدفعه لوضع الخطط البعيدة عن ادبيات الصراع، والبحث المستمر عن الطرق المتعددة، لنصب الأفخاخ في طريق الطرف الاخر، خصوصا وان الالتزام بأخلاقيات النزاع، يفقده القدرة على استخدام الأساليب الوضعية، نظرا لوجود قواعد ثابتة تحكم الصراعات على اختلافها، ”أتأمروني أن أطلب النّصر بالجور“.

الالتزام بأخلاقيات الصراع عملية ليست متاحة، ويصعب تطبيقها على الارض، خصوصا وان النزاعات تأخذ أشكالا مختلفة، وأطوارا متعددة، مما يفرض استخدام الأساليب المناسبة لكل مرحلة زمنية، وبالتالي فان انتهاج احد الاطراف الطرق الخبيثة، تدعو لاتخاذ موقف مماثل، انطلاقا من مبدأ ”المعاملة بالمثل“، ”رد الحجر من حيث أتى“، بمعنى اخر، فان تخلي احد أطراف الصراع عن الاخلاقيات، في تحويل الصراع على معركة موت او حياة، تدفع باتجاهات خطيرة، وتؤسس للدخول في طرق محفوفة بالمخاطر، خصوصا وان البحث عن الطرق غير الاخلاقية، تدعو الطرف الاخر للذهاب بعيدا، مما يعطي الصراع ابعادا تتجاوز النطاق الصغير، بحيث تتحول الى أزمة تهدد الكيان الاجتماعي، وتحدث شروخا كبيرة يصعب صدعها بسهولة.

أطراف الصراع يتحملون مسؤولية ادخال العديد من الشرائح، في أتون صراع ”لا ناقة لهم فيها ولا جمل“، فالبعض يحاول استنهاض البيئة الاجتماعية، عبر استخدام الخطاب القبلي او العنصري، مما يسهم في اخراج الصراع من سياقه، بمعنى اخر، فان اتساع دائرة الصراع مرتبط بخروجه عن السيطرة احيانا، ومحاولة البعض تفادي الهزيمة احيانا اخرى، فعندما يشعر احد الاطراف بقرب الهزيمة، يسعى لقلب الطاولة على الجميع، من خلال استخدام احدى الشرائح الاجتماعية، للحصول على الدعم، وبالتالي محاولة تحويل الهزيمة الى انتصار، بيد ان هذه المساعي ليست مضمونة على الدوام، اذ تتحول الى صراع دائم يصعب السيطرة عليه بسهولة، نظرا لدخول اكثر من لاعب في الصراع.

ان الالتزام بأخلاقيات الصراع ضمانة، للحيلولة دون خروجه عن السيطرة، مما يسهم في إمكانية اعادة الوئام مجددا، نظرا لوجود بعض الود لدى أطراف الصراع، بحيث يسهل تقريب وجهات النظر، وابعاد شبح القطيعة الدائمة.

كاتب صحفي