آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

أفوض أمري إلى الله تعالى

وصفة قرآنية للبشرية القلقة مما يكتنف المستقبل المجهول من عقبات وصعاب لا يقوى المرء على تخطيها، فتقف تلك الظروف القاهرة كعقبة كؤود تنهار عندها آماله وأهدافه التي يرسمها بدقة وتخطيط محكم، فليس بمعلوم أن ينجو من عاصفة تقتلع غاياته من جذورها، ويظل بعدها ضعيفا منكسرا لا حول له ولا قوة وهو يرى بعينيه تحطم مستقبله لا أقل في المنظور القريب.

ذلك التفكير السلبي والتشاؤمي يسيج نفسه بأغلال اليأس وانكسار الإرادة، فلا هو بالذي اهتم بحاضره وعاش فيه متوجا بالسعادة وتحقيق أهداف مرحلية، ولا هو بالذي يواجه المستقبل بقبس الأمل والهمة المتعلقة بحبل متين وعروة وثقى، فما هو المنجى من ضربات الزمن وارتداداتها العكسية؟

وصفة قرآنية تقرأ النفس البشرية بعمق ودقة، ألا وهي اليقين بأن مجريات الأمور لا يملك مفاتيحها أحد من البشر، كما أنها لا تسير خبط عشواء بخطى ظالمة جهولة، بل هي مقادير الأمور تجري وفق القدرة والحكمة الإلهية، فما عليه إلا أن يقوم بواجبه وقراءة الواقع وقدراته بعناية، وبعدها فليفوض نجاح الغايات بيد الخالق عز وجل، وهذا الومض الإيماني - التوكل على الله تعالى - يكفيه هم التفكير السلبي وإثقال حاضره بهم مستقبل لا يعرف فحواه، بل يطأ ساحته بقوة الإرادة والصبر وعدم الانهزام مهما واجه من تحديات، وهل أيام عمره إلا محطات ابتلاء واختبار عليه مواجهتها طالبا العون من الله تعالى؟!

لماذا تقتل إرادتك بالقلق من المستقبل وتدبير الأمور في حقيقتها ليست بيد أحد، بل الله تعالى يسيرها بلا حيف على العباد، فلنكن مطمئنين - ونحن بعينه - في مواجهة أي عثرة أو صعوبة مستقبلية، وما استعرضه القرآن الكريم من عناية إلهية بعباده في لحظات حرجة فنجاهم، إلا رسائل إلهية تطمينية لعباده أن يثقوا بتدبيره مهما بلغت الظروف في قساوتها وصعوباتها، فلنسلط عين عقولنا على واجبنا بحسب المرحلة الحاضرة، وأما النتائج فلا يمكننا التنبؤ التام والتأكيدي بما تسفر عنه خطانا.

وتفويض الأمور إليه سبحانه وتعالى قوة نفسية يواجه بها المؤمن صعوبات الحياة وما يواجهه من عراقيل توقف خطاه المثابرة، فالتعلق التام بالمعادلات المادية يصيبه بهول المفاجأة بعد أن أحكم خطواته وفق عمل منظم، ولكن مجريات الأمور لا تسير بحسب رغباتنا ولا يمكننا التحكم بجميع العوامل والظروف المصاحبة، فكم من شخص توقع التحقق اليقيني لعمله فخابت توقعاته وآماله!!

وهذا لا يعني - بالطبع - أن نتخلى عن البحث والتفكير المنظم والعمل المثابر لمجرد وجود احتمال للإخفاق، ولكنه إبقاء النتائج في دائرة النجاح المحتملة بعد القيام بما يجب عليه من مقدمات وشرائط، وإن لم يظفر بمطلوبه فهذا لا يعني أنه فاشل أو تخلت عنه يد العناية والتدبير الإلهي، بل هناك حكمة ربانية فيما يحصل عليه أو يفوته، فمدبر شئوننا حكيم عادل غني وكفى بذلك معرفة تحفيزية، تدعمه في ميدان العمل بلا كلل أو يأس.