آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

أصوات من الداخل

ليلى الزاهر *

طفلي الجميل أحببته كثيرا هو وسيم وأنيق، عندما كنت أحادثه عن جمال هندامه الفاخر وأثني على تصفيف شعره المنسدل لأسفل كتفيه يتحدث معي عن القطة النائمة فوق سيارة والده وينسج لي القصص الجميلة

بل يفاجئني بخياله الواسع فيسرد أحداثا رائعة. يقول لي: أن القطة يا أمي لها بيت كبير لكنه تهدم ثم جاءت وسكنت بجوارنا وأنا أقدم لها الطعام لأنها أحبتني كثيرا وتعتبرني مثل والدها.

هذا هو فكر الطفل صفحة بيضاء تضج صفاء ونقاء، قلبه أنقى من الماء الزلال، ولسانه بلسم شفاء؛ يتقاطر عسلا، تسمع حديثه لترى فيلسوفا دون شهادات عالية. ترى تحركاته وسلوكياته فتضحك عليه دون أن تعلم جنسيته، ربما تتعلم منه الشيء الكثير، وربما يعدّل من سلوكياتك الخاطئة بدون قصد منه فيقدم لك ولأسرتك أجمل تذكار يظل ملازما لك ساطعا في ذاكرة الزمن.

تنقل إحدى الأمهات لي هذا الحدث الذي طال مقامه في ذاكرتها فتقول:

كان لابني صديقا رائعا عليه سمات التقوى، يتميز منذ صغره بأناقة اللفظ وحسن الخلق، لاحظته مرارا عندما يسمع صوت الأذان يتوقف عن اللعب، بل يفرّ من مكانه يتجه ليقفل التلفاز بنفسه ويهيب بالجميع أن قوموا للصلاة

فعندما سألته عن تلك اليد الخفية في زرع هذا السلوك الجميل أجابني: كان والدي رحمه الله يفعل ذلك.

وعلى النقيض من تلك التربية القرآنية نرى من يلوث فكر هذه الملائكة بقبح ثقافتهم البذيئة فينقلون إليهم عدوى الحقد ويربونهم على عدم احترام الآخرين أو غيرها من الثقافات المغلوطة.

يحدثك هذا الطفل عن آلامه عندما ضربه زميله في الروضة فتحدثه عن الانتقام منه وركله بالرجل.

يحدثك عن جمال العصافير فتقيده بقيد الخوف من عصفوره خشية أن يعض إصبعه.

يحدثك هذا الطفل عن أجمل قصصه وأحلامه وتحدثه أنت عن تعبك ومرضك وما شأنه هذا المسكين حتى تقحمه بقضايا لاتهمه.

إن الطفل له مملكته الخاصة يحاول بكل مايستطيع أن يعيش أحلامه فيها ويحقق جزءا منها فكن عونا له وتابع خطواته مرة بالتشجيع وأخرى بالتصويب.

هذا الطفل له صوت بداخله ربما لايستطيع أن يفصح عنه وربما لايريد أن تسمعه لأنه يريد منك أن تسمعه بالإحساس به فقط، ومن عجز عن الإحساس بما يريد منه طفله فهو لم يعرف طفله حق المعرفة ولم يعطه شيئا من وقته حتى يكتشف هذا الكنز الثمين.

جاء في الحديث الشريف عن الإمام علي سلام الله عليه: «من قبّل ولده كان له حسنة، ومن فرَّحه فرَّحه الله يوم القيامة».