آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

وهم الميانه وكسر حجب الاحترام

المهندس أمير الصالح *

ذات يوم، استيقظ الموظف فريد المثابر للذهاب للعمل واحس بالم شديد في ظهره اثناء توجه نحو مبنى شركته الا ان شده الالم جعلته يعدل ويذهب الى المستشفى. وبعد دخول عيادة الدكتور المناوب، صرف الدكتور لـ فريد ”استراحه من العمل لمدة يومان“. اتصل فريد ب سكرتير مديره في العمل وافاده بالأمر لإبلاغ رئيسه وأغفل فريد راجعا الى المنزل. وبعد ان غط في النوم لمده ثلاث ساعات، استيقظ واخذ يتجهز للذهاب للمسجد. في المسجد قابله احد المتطفلين. سارع المتطفل بالسؤال لفريد: هل تقاعدت ياسيد فريد؟ ام لديك حاجه عند الله اوردتك بيته خلال ايام العمل؟

كتم فريد غضبه ورد على المتطفل قائلا احببت ان اكون بجانبك في الدعاء لعل الله يستجيب دعائي في حقك بالكف عن الفضول واللقافه ويستجيب دعائك في حقي بالصحة وسرعة الشفاء من وعكة صحية ألمت بي.

بهت المتطفل وذهب كلا في حاله نحو ساحة المصلى. وفي اثناء اقامة الصلاة، لاحظ فريد اكثر من شخص من المصلين المتقاعدين ينظرون اليه مستغربين تواجده في المسجد خلال ايام العمل الاسبوعي.

وحين الاستعداد للخروج من المسجد، اعترضه احد أقاربه وبادره بنفس التساؤول عن سبب وجوده بالمسجد خلال ايام العمل الاسبوعي بصياغة: اليوم المسجد منور بزياده، اجازة سنوية يابو سعيد «فريد» ام تقاعد؟!

رد فريد قائلا: سلامتك اجازة مرضية يومين بعد رحلة عمل دامت 29 سنة واليوم ماسادت علي الكل يغمز في حق تواجدي بالمسجد وكأني جاي اعمل فيه مالا يجوز. واسترسل فريد القول: كنت اشك ان البعض تربى باخلاق المسجد والحقيقة التي اتضحت لي ان سلوك بعض رواده ورواد غيره من دور العبادة اشبه بسلوك رواد مسجد ضرار؟ العجيب يابن العم ان ماحد سألني عن صحتي ولا سألني عن أحوالي! ولكن عدد ليس بالبسيط اشرأبت أنظارهم لوجودي خلال ايام العمل وزاد لهيب فصولهم المحموم لمعرفة السبب وكانه تكليف شرعي معرفة سبب ذلك؟!

خرج فريد من المسجد وقد اتخذ قرار بان لايتواجد في ذاك المسجد خلال ايام الاسبوع حتى لو احيل الى التقاعد لكثرة المتطفلين فيه وقله تربيتهم لذوقهم وزيادة معدل فضولهم السلبي.

بعد ذاك، عرج فريد الى سوق الخضار وخلال تسوقه تصادف ان قابل مع احد الموظفين السابقين الذين عمل معهم فترة غابرة وعابرة من الزمن وكان يدعى سعد؛ وسعد يتمتع حاليا بالتقاعد المبكر، فبادر سعد ب السلام على فريد. وبعد المصافحة وتعريف كلا اسمه للاخر، بادر سعد بطرح سؤال لفريد ان كان متقاعدا ام مازال على رأس العمل. فرد فريد بانه لايفكر بالتقاعد الا على سن الستين. فانطلق سعد بالكلام ظنا منه انه يمون على فريد قائلا له: اجل اليوم شكلك مفرك من الدوام وجاي سوق الخضار!

شاح فريد بوجه وانصرف عن سعد. لحق سعد به وقال: لا يكون كلامي زعلك؟ حبيت اضحك معاك.

انفجر فريد وقال: فضول وتعليقات البعض الغير مسؤوله اضحت تجلب الغم والهم اكثر من المرض البدني. يا استاذ سعد انا في اجازة مرضية واجبرت نفسي للخروج من سرير المرض لجلب غذاء لاهلي بحكم المسؤولية ك اب وانت الان تعتقد بانك بالميانة تتجرأ علي، اليس هذا نوع من عدم الاحترام.

سكت سعد وانصرف كلا وشأنه.

أفل فريد راجعا لبيته بعد ذهابه للمسجد وسوق الخضار واغلق باب داره. واخذ يتصفح في قروبات الواتس اب. وكانت هناك مجموعة من الاشخاص في قروب يتعاهدون ختمات قرآنية شهرية، وصادف اطلاق حملة ختمة الشهر ذات اليوم ذاك الذي فريد يتمتع فيه باستراحة مرضية، فاشترك في الختمة بجزئين من القران واستطاع ان ينتهي قرائتهما خلال ساعة ووضع علامة «صح» لاعلان انتهاءه من قراءة الاجزاء التي اختار ان يشارك بهما في ختمة ذاك الشهر. فسرعان ما انبرئ احد اصدقاءه في تلك المجموعة بالقول بحكم الميانة المتخطية للحواجز الحمراء ”شكلك يا فريد ماعندك شغل في عملك ولذا خلصت قراءة الجزئين في وقت قياسي، شرايك تكمل المعروف وتاخذ اجزاء اخرى“.

التزم فريد الصمت متجاهلا الرد على التعليق.

أدرك فريد ان البعض من الناس ينشغل بمراقبة غيره اكثر مما يراقب ذاته في تربية نفسه بالسلوك السوي والكلام الحسن وإصلاح الذات. وادرك فريد بان بعض التجمعات البشرية تنخرط في اعمال شكلية او تتجمع في اماكن لا تنعكس على سلوكهم وملافظهم.

وقرر فريد بان يكون اليوم التالي للاستراحة المرضية يوم حجب تام.