آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

الحجم.. الدور

محمد أحمد التاروتي *

يتخطى البعض حدود إمكانياته، لممارسة دور يتجاوز الحجم الطبيعي، من خلال الأقدام على اعمال متهورة، وغير مدروسة، مما يقود الى نتائج كارثية، بحيث لا تقتصر الاثار على الدائرة الضيقة بل تتجاوز الحدود المرسومة، الامر الذي يفسر التخبط الذي يعيشه هؤلاء في مختلف المشاريع، نظرالانعدام القدرة على وضع الامور في النصاب الصحيح، جراء الدخول في مغامرات تتخطى الإمكانيات المحدود، ”رحم الله امرئ عرف قدر نفسه“.

هناك علاقة وثيقة بين الحجم الحقيقي، والدور الممارس على الارض، ”لا يكلف الله نفسا الا وسعها“، ”بل الانسان على نفسه بَصِيرة“، بمعنى اخر، فان المرء الذي يحترم ذاته يتحرك وفقا للقدرات الذاتية، فهو يرفض مختلف اشكال الضغوط، للانخراط في ممارسات تتجاوز الحدود الذاتية، خصوصا وان الدخول في تلك الاعمال تفقده القدرة على العطاء، وتعرقل عوامل النجاح، لاسيما وان التحركات غير المتوازنة، تشكل عبئا كبيرا في المسيرة الحياتية، بمعنى اخر، فان خلق حالة من التوازن الدقيق بين الحجم والدور، عنصر أساسي في المسيرة الناجحة من جانب، ويمنع من السقوط السريع من جانب اخر.

تحقيق بعض الانتصارات، او النجاحات في بعض المشاريع، يولد حالة من الغرور الذاتي، بحيث يخلق حالة من التضخم الذاتي، مما ينعكس على النظرة للامور، بشكل غير عقلاني او واقعي، الامر الذي يقود الى الدخول في مشاريع تتجاوز الحجم الطبيعي، استنادا الى الانتصارات السابقة، بيد ان المعارك الحقيقية تكشف الوضع الطبيعي، فالمعارك الثقافية مع الاطراف الضعيفة، ليست مقياسا لكشف الاحجام الطبيعية، فيما تتكشف الإمكانيات لمختلف الاطراف، بمجرد الدخول في معارك ثقافية مع أطراف قوية، الامر الذي يسهم في إعطاء كل الاطراف الاحجام التي تستحقها.

التطلع لممارسة الدور القيادي، ومحاولة وضع مشروع ثقافي نهضوي، من الامور المشروعة، وغير المحرمة على الاطلاق، بيد ان ممارسة الدور القيادي الكبير، يتطلب امتلاك القدرة على احداث الفرق، وليس تقمص ادوار الاخرين، لاسيما وان الحجم مرتبط بالقدرة على التأثير في الاخر، بينما البعض ما يحاول ممارسة ادوارا كبيرة، فيما يفتقر للقدرة على التأثير وصنع القرار.

الاستناد الى جدار قوي، ليس مدعاة لتخطي الحدود، او ممارسة ادوار تتجاوز الاحجام الحقيقية، خصوصا وان الدعم القادم من الاخر ليس دائما، مما يستدعي التفكير مليا، قبل الأقدام على خطوات، غير محسوبة النتائج، فالمصالح ليست ثابتة وغير مستقرة، الامر الذي يتطلب البحث عن الإمكانيات الذاتية، والتحرك وفقها، لاسيما وان الاعتماد على الاخر يعرقل الجهود الهادفة لبناء الذات، وتشكيل شبكة علاقات معتمدة على القدرات المتوافرة على الارض.

الإفراط في تضخيم الذات، مرتبط احيانا ببعض الظروف الاجتماعية، فالنفوذ الواسع والسيطرة المطلقة على الساحة، يولد حالة من ”التضخم“، بحيث تنعكس على القرارات الارتجالية، التي تتخطى الحجم الحقيقي، نظرا لافتقار الساحة للخصم القادر، على كشف الصورة الحقيقية، بيد ان الأوضاع تنقلب رأسا على عقب، بمجرد الاصطدام بطرف، يمتلك القدرة على الوقوف في الوجه، مما يقود الى حالة من المراجعة الشاملة، بما يعيد الامور للوضع الاعتيادي مجددا.

كاتب صحفي