آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 3:27 م

الاصل.. النكران

محمد أحمد التاروتي *

تعرف قيمة المرء بتمسكه بماضيه ”المشرف“، وعدم الانسلاخ من تاريخه، لاسيما وان الانفكاك عن التاريخ، لا يعطي مقاما رفيعا، بقدر ما يحدث حالة من الاحتقار، من لدن الوسط المحيط القريب، قبل الفضاء الاجتماعي الواسع، فالبعض يحاول نسخ تاريخ جديد عبر استخدام بعض العبارات البعيدة عن البيئة الاصلية، بغرض اضفاء نوع من خداع الذات اولا، وممارسة مزيد من الخداع على الطرف الاخر ثانيا.

نكران الاصل يمثل جحودا كبيرا، فالانسلاخ من الجلد عملية محفوفة بالمخاطر، خصوصا وان المرء الذي يحاول اخفاء حقيقته، يفقد المصداقية والثقة لدى الاخر، مما يجعله في موقف لا يحسد عليه مطلقا، فمهما كانت المغريات لمحاولة التبرئ من الاصل، فانها تبقى اقل من الخسائر المترتبة على انكشاف الكذب، لاسيما وان سقوط القناع المزيف بمثابة السقوط المدوي من المنحدر السحيق، مما يجعل عملية النهوض والوقوف مجددا غاية في الصعوبة، بمعنى اخر، فان محاولة لبس ثوب جديد تكون تداعياتها كبيرة، في حال لامست الصعيد الشخصي، فالمرء الذي يراهن على المظهر الجديد، يقف على حافة الهاوية، مما يعرضه للسقوط بين لحظة واخرى.

الشعور بالنقص يمثل احد الاسباب، وراء ”النكران“ غير المبرر، خصوصا وان الاحساس بالدونية تجاه الاخر، تدفع بمحاولة تقمص ادوارا تجانب الواقع، اذ تبدأ عملية التخلي عن الاصل، بمحاولة تغيير نمط الحياة الشخصية، بما يتوافق مع الانتماء الجديد، بحيث لا تقتصر على طريقة الحديث، او نمط العيش، وانما تشمل طريقة اللبس، والابتعاد عن البيئة الاصلية، والسعى للتقرب من البيئة الاجتماعية المستهدفة، الامر الذي يفسر الهجرة الابدية للبيئة الاجتماعية السابقة، ورفض الاعتراف بالاصل والوضع السابق، بحيث تتمثل في الانقطاع التام عن المناسبات الاجتماعية السابقة، والحرص على التواجد في التجمعات الجديدة.

الخداع الذاتي، والبحث عن السراب، والانبهار غير الواقعي، تمثل عوامل محركة لمحاولة الانسلاخ من الاصل، والبدء في القطيعة التامة مع مختلف الذكريات السابقة، فهذه النوعية من البشر تحرص على التخلص من الماضي، بما يحمل من افراح واحزان، من خلال البدء في بناء تاريخ جديد غير مضمون، فضلا عن كونه قائم على الزيف والكذب، بمعنى اخر، فان الاقنعة الزائفة ليست قادرة على اخفاء الحقائق التاريخية، فمهما بلغت مهارة المرء على الخداع، فان الامور تتكشف في نهاية المطاف، ”حبل الكذب قصير“، وبالتالي فان التحرك الزائف باتجاه بيئة غريبة، تكون نتائجه وخيمة في الغالب.

الجسم الغريب يصعب تقبله بسهولة، فهو يواجه المعارضة، والمقاومة الشرسة في الغالب، وبالتالي فان الانتساب لبيئة اجتماعية جديدة، ليس حلا للتخلص من الاصل، خصوصا وان الثقافة الاجتماعية تكشف الكثير من محاولات الخداع، فالمرء ليس قادرا على اخفاء بعض الثقافات الاصلية، لاسيما وان الطباع المكتسبة ليست قادرة، على التغلب على الطبائع الحقيقية في الغالب، مما يساعد على افتضاح امره في النهاية، بمعنى اخر، فان محاولات النكران والتخلي عن الاصل، ليس الحل المثالي للظهور بمظهر مختلف، فالانسان الذي يعتز باصله يجد الاحترام، والقبول من لدن الجميع، لاسيما وان التاريخ جزء لا يتجزأ من قيمة المرء.

كاتب صحفي