آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 1:22 م

بلسم القلب المحزون

عبدالله الحجي *

كلما التقيت به استقبلني بالحفاوة والترحيب والإبتسامة لاتفارق محياه، هذا هو ديدنه مع كل من يقابله

تظنه من كثرة تبسمه أنه خال من الهموم والأحزان والمصائب تسأله عن أحواله.. يجيبك بالحمد والشكر لله عز وجل

بعد طول فراق سألته عن أحوال العائلة ازداد حمدا وشكرا لله

صمت قليلا وبدأت الإبتسامة تنحسر وتغيرت ملامح وجهه الذي كساه الحزن

ما الخطب؟

أجاب بأن زوجته ترقد في العناية المركزة

خيرا؟ ومنذ متى؟

منذ أكثر من عام ولم يتمكن الأطباء من تشخيص مرضها، هي تحت رحمة الله ولطفه لانملك إلا الدعاء لها

ونعم بالله.. ألبسها الله ثوب الصحة والعافية

آخر قد ابتلي هو نفسه بمرض خطير، وآخر قد فقد عزيز على قلبه والقائمة تطول… كثير من الناس عندما تلتقي بهم تغبطهم بعدم مفارقة الإبتسامة شفاههم وتظن بأنهم قد شملتهم عناية ولطف إلهي وأنهم يعيشون في قمة السعادة بتوفر كل مايحتاجونه من مقومات السعادة وأنهم خلو من المشاكل والهموم والمحن. بينما الواقع غير ذلك وكل منهم قلبه يعتصر ألما وله همومه ومشاكله الخاصة التي يخفيها خلف هذه الإبتسامة.

كل بيت بل وكل شخص يعيش بين أركانه له همومه ومشاكله المختلفة المتفاوتتة التي ابتلاه الله بها فمنهم من ابتلي بالحرمان من الذرية ومنهم بتأخر الزواج ومنهم بالفقر ومنهم بالمرض ومنهم بالخلافات الأسرية ومنهم بفقد عزيز وغيره. كل ذلك هو وعد رباني بأن الإنسان المؤمن سيبتلى في الحياة الدنيا بأنواع مختلفة من البلاء؛ قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [1] 

في نظر البشر القاصر أن مايصيب الإنسان المؤمن هو نوع من أنواع العقاب يمارس عليه للانتقام منه. ولكن المقاييس والمعايير الإلهية تختلف تماما عن ذلك وأن البلاء يعتبر محبة من الله لعبده كما ورد عن رسول الله ﷺ: إن عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء، فإذا أحب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند الله الرضا ومن سخط البلاء فله عند الله السخط. ”[2]  وورد عن أبي جعفر : _إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا وثجه بالبلاء ثجا، فإذا دعاه قال: لبيك عبدي لئن عجلت لك ما سألت إني على ذلك لقادر ولئن ادخرت لك فما ادخرت لك فهو خير لك». [3] 

البلاء يختلف من شخص إلى آخر على قدر دينه وإيمانه وأن من لا يبتلى ليس لله فيه من حاجة، وأن الله لم يفقر الفقير لهوان به عليه ولم يكرم الغني لكرامة به عليه كما ورد في الروايات. قال رسول الله ﷺ: «من لم يُرزأ فما لله فيه من حاجة». [4]  وقال أبي جعفر : «إنما يُبتلي المؤمن في الدنيا على قدر دينه - أو قال -: على حسب دينه». [5]  وقال أبو عبد الله : «كلما ازداد العبد إيمانا ازداد ضيقا في معيشته. ”[6] 

ولذلك فالأنبياء هم أشد الناس ابتلاء كما ورد عن أبي عبد الله قال:“إن في كتاب علي أن أشد الناس بلاء النبيون، ثم الوصيون، ثم الأمثل فالأمثل، وإنما يبتلي المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صح دينه وحسن عمله اشتد بلاؤه، وذلك أن الله عز وجل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن ولا عقوبة لكافر، ومن سخف دينه وضعف عمله قل بلاؤه، وإن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض». [7] 

المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلا عرض له أمر يحزنه وهذا البلاء حتى لو كان شوكة فهو لحكمة ربانية لايعلمها إلا الله عز وجل. قال أبو عبد الله : «المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلا عرض له أمر يحزنه، يذكر به». [8] فعندما يبتلى المؤمن بأي نوع من أنواع البلاء فما من شك بأن ذلك من مصلحته، فمن ناحية يشتاق الله لسماع صوته ومناجاته ومن جهة أخرى يريد الله أن يمحو عنه ذنوبا لينال المنزلة التي أعدها له بهذا البلاء.

فكيف يتعامل مع البلاء؟ يحتاج الإنسان أن يحسن ظنه بالله ويعمق إيمانه بأن ما أصابه بعين الله وقد كتبه وقدره وقسمه له بعلمه وحكمته. قال تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. [9] وقال رسول الله ﷺ: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك». [10]  ومن ناحية أخرى قد نكره شيئا بالنظر إليه من زاوية محدودة وأفق ضيق بينما يكون هو الخير أو أن الله يجعل فيه الخير الكثير. قال تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [11] ، وقال تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [12] 

ومن أهم الأمور التحلي بالصبر والإكثار من الذكر والدعاء والتضرع والصلاة والاستغفار والشكر والثناء لله عز وجل والإيمان والقناعة والثقة به وتفويض الأمر إليه. وعدم الاستسلام واليأس والقنوط من رحمة الله بل ينبغي التفاؤل والسعي والأخذ بالأسباب بنظرة إيجابية. قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. [13] 

[1]  سورة البقرة - آية 155 - 156

[2]  الكافي - الشيخ الكليني - 2 /253

[3]  الكافي - الشيخ الكليني - 2 /253

[4]  مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - 115

[5]  الكافي - الشيخ الكليني - 2 /253

[6]  بحار الأنوار - العلامة المجلسي - 69/ 49

[7]  الكافي - الشيخ الكليني - 2 /252

[8]  وسائل الشيعة «آل البيت» - الحر العاملي - 3 / 262

[9]  سورة التوبة - آية 51.

[10]  مسند أحمد - الإمام احمد بن حنبل - 5 / 185

[11]  سورة البقرة - آية 216

[12]  سورة النساء - آية 19

[13]  سورة التكوير - آية 29