آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

ضحايا صلالة

عبد الواحد العلوان

أحساءُ توشحي بالسواد وأذرفي

على وجنتيك دموع فِراق جارية.

باسقات كالنخل طوالعها تختفي

قبل موسم قِطافها، قُطفت راوية.

أحساءُ، تنزف الدماء وتنثر الأحرُفي

اه وليت الدمع والدم يُعيد الخاوية.

سبعُ شموعُ، بالأقدارِ تقضي وتنطفي

بين ليلة وضُحاها سرى الظلام سارية

استيقظت الأحساء في الأسبوع المنصرم، على فاجعة وفاة 7 أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري مروع في دولة عُمان الشقيقة، أثر اعتراض شاحنة طريقهم، ومما نتج عن ذلك الحادث وفاة أفراد الأسرة، وكذلك نقل بعض أفراد الأسرة في السيارة الأخرى للمستشفى، بعد تعرضهم لإصابات بين البليغة والبسيطة.

الأحساء والأرقام الفلكية في الحوادث المرورية، لا نبالغ أن تحدثنا عن حجم المأساة والفاجعة بأنها صدمة ووجع في قلب كل مواطن أحسائي، وكل مواطن يعيش على أرض المملكة، بأن يتخطف الموت أسرة مكونة من أب وأم وبنات وأولاد في عمر الزهور.

أي وجع وأي فاجعة هي التي قد حلت بسوادها على واحة الحُب والتسامح والطيبة، أي جرح غائر أرتكز في أحشاء الأحساء، ف قرية الحُليلة كانت على موعد زفاف هذه الأسرة المكلومة إلى حياة المستقر، وإلى المثوى الأخير، والدار الأخيرة، كانت على موعد عزاء ورِثاء لأحبة جاوروهم وفقدوهم في غمضة عين..

مصيبةُ هي بحجم وطن، حينما يغادرنا مواطن واحد في حادث مروري، أو نسمع عن مقتله، أو نعيش قصة وفاته وفقده وألم فراقه، فما بالك حينما أتحدث عن منزل متكامل الأركان، قد أُغلق، حينما أتحدث عن أسرة بكامل أفرادها رحلت عن الدنيا في حادث مروري، أي وجع يتركون برحيلهم، للأهل والأقرباء، أم للجيران، أم للجدران ذلك البيت الذي حلت أوشحة السواد ولونت أسقفه.

مرار وصدمة ووجع وفاجعة وألم وحُزن، هي كلمات تُعبر عن حرقة في صدري، وعن غصة تكاد تخنُق، وعن ألم يعتصرني، هذا وأنا البعيد كل البُعد عن هذه الأسرة ولا أعرفهم شخصياً، ولكن نزل علي هذا الخبر وهذه الفاجعة كالصدمة، أبكتني تارة، وأفقدتني صوابي تارة، تخيلت لبرهة من الزمن، لو كنت أنا أحد أقربائهم، لو كنت أنا أبن لهذه الأسرة، لو كنت أنا جارُ لهم، كيف سأستقبل هذا الخبر وهذه الفاجعة الحزينة.

عملتُ ناشطاً متطوعاً منذُ 2010 في التوعية بالسلامة المرورية، والحوادث المرورية، في مواقع أحساؤنا بلا حوادث مرورية ومملكتنا بلا حوادث مرورية، وشاهدت القصص الواقعية، وسمعت، وعشت بعضها، ولكن هذه القصة 2018 التي وقعت على أسرة العبد الرضاء هي الأوجع والأفجع بين كل ما عايشته طيلة هذه السنوات، كيف تحولت رحلة السياحة الأسرية لهذه الأسرة، إلى رحلة أخيرة، يلقون المصير الواحد مع بعضهم، عاشوا اللحظات الممتعة جميعها في هذه الرحلة، ولاقوا نفس المصير.

كم هي حجم التوعيات التي نُطلقها بين الحين والآخر، عن السلامة المرورية، وعن رحلات السفر، وعن السفر بالسيارات، وعن حجم الكوارث والحوادث المرورية في داخل المُدن السعودية، وخارجها، كم من المواعظ التي نشرناها، ولازلنا ننشرها، كم حجم المعاناة التي نقلناها ولازلنا ننقلها من الواقع للمواطنين والمقيمين، كل شيء قضاء وقدر، ولكن للإنسان عقل وفكر، بأن هُناك وسائل كثيرة للسفر، غير السيارات، ووسائل آمنة أكثر من السفر العائلي بالسيارة.

الجُمعة هو موعد دفن ضحايا الحادث المروري الأليم، اليوم الجُمعة هو يوم لن تنساه قرية الحليلة وباقي مُدن الأحساء، ستحمل وتخلد ذكرى عائلة بكامل أفرادها، لن ينسون ذلك المنزل الذي هجره أحبابه، على أمل العودة له، ولكنهم رحلوا جميعاً، وهجروه، لن ينسون تلك الغُرف وتلك الذكريات التي جمعتهم في باحات هذا المنزل الذي سيبقى ذكرى مؤلمة بحجم فقدهم وحجم فراقهم.

لم أتوقع ولم أتصور ولم يخطر في ذهني ولو للحظة، أن أكتب عن حجم هذا الألم الذي أربكني، وأدمع عيني، وأغرق حروفي ما بين السطور، وأنقلها لكم بعزاء حار لكل الأهل والأحبة والجيران، ولكل الأحساء وكل الوطن، في وفاة أحبابنا، وشهدائنا، اللهم أربط على قلوبهم، وأجبر مصابهم، وألهمنا الصبر والسلوان جميعاً.