آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

التدمير.. الكذب

محمد أحمد التاروتي *

يطلب البعض الانتصار عبر سياسة الارض المحروقة، فجميع المحرمات مباحة، وكافة الخطوط الحمراء، تتحول الى ”خضراء“، بحيث تتلاشى جميع الاخلاقيات، وتصبح نوعا من الترف، مما يفسر الهمجية غير المسبوقة، وظهور اهلاك الحرث والنسل، خلال مراحل الصراع، بمعنى اخر، فان الحصول على النصر يدفع البعض لاتخاذ الأساليب الوحشية، وغير الاخلاقية على الاطلاق، بحيث تصبح الحروب طريقة للانتقام غير المبرر، ”اطلب النصر بالجور“.

استخدام الأدوات الرابحة في الصراعات، ليس مدعاة للقضاء على الحياة، واحراق التراث الإنساني، عبر سياسة التدمير الشاملة، وغير المنضبطة على الاطلاق، فالبعض يعمد لانتهاج سياسة الدمار الشامل، بمجرد نشوب خلافات سواء كانت هامشية او حقيقية، بحيث تظهر على شكل ممارسات عنيفة للغاية، بغرض إركاع الاخر وسلب إرادة الحياة منه، اذ تتوزع تلك الممارسات تبعا للظرف السياسي، والوضع الاقتصادي، والحالة الاجتماعية، من اجل الحصول على المكاسب السريعة، الامر الذي يفسر التصعيد غير المسبوق، لدى بعض الاطراف تجاه الصراعات القائمة.

سياسة التدمير الشامل، مرتبطة بالقدرة على تمرير، تلك الممارسات في وضح النهار، فهذه النوعية من الاعمال التدميرية، غير قابلة للتطبيق بدون وجود جهات داعمة، لاسيما وان الضمير الإنساني يرفض سياسة الارض المحروقة، نظرا بتداعياتها السلبية على المجتمعات البشرية، مما يستدعي توفير الأدوات اللازمة، للإفلات من العقاب، وانتهاج سياسة غض الطرف، فالقوي مهما بلغت سطوته فانه يبقى مرهونا بردات الفعل، على الصعيد الاجتماعي، مما يدفعه للبحث عن الاطراف الداعمة، قبل الأقدام على الاعمال التدميرية، تجاه الخصم، بمعنى اخر، فان وجود الأصوات الداعمة لانتهاء السياسة التدميرية، عامل أساسي في المضي قدما، في التنكيل بالطرف المقابل، خصوصا وان الغطاء السياسي، واحيانا الاعلامي قادر، على تمرير الاعمال الوحشية، وبالتالي الافلات من الحساب.

الكذب الدائم، وقلب الحقائق، وتحويل الضحية الى جلاد، يمثل السلاح الاكثر استخداما، من قبل اصحاب سياسة التدمير الشامل، فالمعتدي يحاول استغلال بعض الثغرات، لتمرير بعض الاعمال الوحشية، اذ يصبح الضحية مجرما، والمعتدي مسالما، من خلال التلاعب بالالفاظ، ونقل جزء من الحقيقة، فالأعمال التدميرية غير المبررة، تكون مبررة وضرورية للغاية، نظرا لوجود مخططات خطيرة، تحاكي في الخفاء، - بحسب مبررات المعتدي - مما يستدعي توجيه الضربات الاستباقية، لاسئتصال الغدد السرطانية الخبيثة من جسد المجتمع، بمعنى اخر، فان المعتدي يحاول تبرير الاعمال الوحشية والقاسية، كونها ممارسات مشروعة، وغير مستنكرة على الاطلاق، فضلا عن كونها ضرورية للقضاء الوضع غير الصحي، انطلاقا من مبدأ ”اخر الدواء الكي“، وبالتالي فان الأصوات المستنكرة لتلك الاعمال، ليست مطلعة على الحقائق بشكل دقيق.

اليد الطولى، تشكل احد العناصر الاساسية، لانتهاج سياسة التدمير الشامل، فالضعيف ليس قادرًا على استخدام مثل الأساليب، نظرا لوجود خشية من ردة الفعل من الوسط الاجتماعي، مما يجعله يفكر مليا في كل خطوة، بخلاف القوي الذي يمتلك القدرة على اسكات الاخر، سواء بالمال او الضغط السياسي، مما يطلق يده في مختلف الأوقات لانتهاج السياسة التدميرية، نظرا لإدراكه بعدم وجود جهات قادرة على ردعه، او إجباره على التراجع.

كاتب صحفي