آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

التهور.. الاتزان

محمد أحمد التاروتي *

الخط الفاصل بين التهور والاتزان كبير للغاية، فالتهور يودي بصاحبه في المهالك، ويفقده القدرة على التعاطي بروية، مع المشاكل والقضايا، سواء كانت صغيرة او كبيرة، الامر الذي يجعله في مواقف لا يحسد عليها، فيما الاتزان يقف على النقيض تماما، فهو يعطي صاحبه القدرة على ادارة الصراع بشكل حكيم، وبالتالي امكانية السيطرة على الانفعالات، وعدم الاقدام على ردود افعال غير محسوبة النتائج، بمعنى اخر، فان الاتزان يحدث اثرا ايجابيا، على الصعيد الشخصي، والاجتماعي في الوقت نفسه.

السلوك المتهور في التعاطي مع المشاكل الحياتية، عامل اساسي في تفاقم الازمات على اختلافها، خصوصا وان الحلول غير المدروسة تعطي نتائج عكسية في الغالب، فعوضا من محاولة رأب الصدع، واعادة الامور للوضع الطبيعي، فان انتهاج الحلول المتسرعة، والمتهور تحدت تداعيات سلبية، الامر الذي يسهم في تكريس حالة الشقاق والنزاع، لاسيما وان غياب القدرة على وضع الخيارات المناسبة يفاقم الامور، بمعنى اخر، فان التهور مرتبط احيانا بقلة الخبرة الحياتية، وانعدام الرؤية الواضحة في دراسة الاوضاع من مختلف الجوانب، الامر الذي يترجم على شكل انفعالات سريعة، وغير متوازنة، مما ينعكس بصورة مباشرة، على معالجة الامور بصورة صحيحة.

التهور لا يدخل في الاطار السلوكي الخارجي فقط، فهو مرتبط برجاحة العقل، وامتلاك القدرة على ترجيح الاضرار الناجمة، عن الخيارات المتاحة، بحيث تضع الامور على طاولة التشريح، بغرض التعرف بشكل دقيق على الخفايا، والحيثيات الصغيرة قبل الكبيرة، خصوصا وان غياب الدراسة اللازمة يحدث مفاجآت غير متوقعة، وبالتالي فان وضع الاحتمالات يسهم في امتصاص ردات الفعل، مما يقلل من الاثار السلبية، وكذلك المساهمة في احتواء الامور بطريقة او باخرى.

بينما الاتزان يساعد على وضع الامور، في النصاب الصحيح، فهو لا ينطلق من ردود افعال سريعة، او اتخاذ القرارات الارتجالية، فالقضايا على اختلافها وتعددها، تدخل في المطبخ لتخرج الطبخة جاهزة، وذلك بعد وضعها على نار هادئة، وبالتالي فان محاولة اطلاق القرارات الانفعالية، ليست موجودة على الاطلاق، نظرا لوجود جهات قادرة على امتصاص ردود الافعال، غير المحسوبة من الاطراف الاخرى، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على نوعية الخيارات المتخذة، حيث تبقى القضية تحت الدراسة لفترة معنية، بهدف انتهاج الاسلوب الامثل، لاسيما وان الازمات تختلف باختلاف الظروف، والجهات المشتركة فيها، مما يتطلب وضع جميع الاعتبارات، والاحتمالات في الحسبان، فالتسرع لا يخدم بقدر ما يخلق المزيد من التعقيدات على الارض.

الاختبارات العملية قادرة، على اكتشاف العناصر المتهورة من المتزنة، فالاولى تتحرك وفقا لردود الافعال من الاطراف المناوئة، بحيث تكون خياراتها منطلقة من قراءة افعال الطرف الاخر، مما يفقدها القدرة على التفكير في العواقب، او التحسب للخسائر المتوقعة، فيما الثانية ”المتزنة“ تعمد للانفصال التام، عن ردود افعال الاطراف الاخرى، مما يعطيها القدرة على التفكير دون ضغوط، الامر الذي يمثل المدخل الاساسي، لوضع الخيارات المناسبة، لازالة اسباب التوتر، واعادة اللحمة مجددا.

كاتب صحفي