آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

غروبُ السنين

المهندس هلال حسن الوحيد *

بعد أيامٍ تغربُ سنةُ 1439 هجرية وتسقط من على الحائطِ ولكن تبقى ذكرياتها العذبة والأجاج. نستقبلُ بعدها سنةً لا مكانَ للضعفِ فيها ولا مكان للانهزام. لم يبقَ الماضي في علمِ الغيب الكلي ورغم أننا جمعنا فيه خليطاً من الخيباتِ والنجاح لا يجب علينا التوقف عندهُ كثيراً إلا بمقدارِ ما تحتاج فيه رواحلنا من الزادِ لمواصلة المسير.

ينقطع الخيالُ والإبداعُ في تغييرِ التاريخِ ولكن كشفَ القناعِ عن المستقبلِ وتحدياته يحتاج إلى كثيرٍ من الإبداعِ والخيال. نحن أمةٌ لا تحتاج إلى الشفقةِ في المواردِ لكننا نحتاج تفعيلَ القدراتِ التي منحنا إياها الرب. نحتاج إلى إعمالِ خيالنا في كيفَ الرقي إلى سلم المعرفةِ ودرجاتِ الصحةِ والإقتصادِ والِسلم.

كبر رجلٌ وأصابَ إحدى رجليهِ الضعفُ قليلاً فاشترى عصاةً اعتادَ المشيَ عليها وصار كلما رأى عصاةً اشتراها حتى كان يشتري العصيَّ المطرزةَ بالنقوشِ والمطعمةَ بالذهب. رآه حكيمٌ فقال له: ليس الإبداع في اقتناءِ العصا ولكن الإبداعَ  في المشي دونها. هكذا نحن كأمَّةٍ لا ينبغي لنا أن نرى الجمالَ فيما يريحنا في المسيرةِ ولكن فيما يجددها ويبعث شجرتها خضراءَ يانعةً كلما اصفر عودها.

قدرةُ الإنسانِ في التأملِ وابتكارِ وسائطِ النجاحِ ليس لها حدودٌ ويبقى مقتدراً حتى يُوارى أطباقَ الثرى. علينا أفراداً ومجتمعاً وأمةً أن نهربَ من الجهلِ والفقرِ والعوز، يفتح صغيرنا عينيهِ على الدنيا ويقول سوف أكبر، سوف أحيا، سوف أعمل وأبتكر! ليس عليه أن يكبرَ ويتعلمَ كيف يواجه الغصاتِ ويبني ما خربه من قبله.

سوف تطلع سنة 1440 هجرية ويجب أن ترانا واقفينَ في انتظارها لا منبطحين. يدنا ويدُ الله معنا تصنع المعاجز. نحن أمةٌ نستحق السكينةَ والراحة. أمةٌ ملؤها قاماتٌ من البشر وخاماتٌ من الموارد التي امتحنها الله بها حتى تكونَ خيرَ أمة. أمةٌ تحتاج أن يكون فيها صمتٌ لا يقطعه سوى قهقهةُ الأطفالِ في المدارسِ ومعاولُ البناءِ في المصانعِ والمزارع.

في جهالةِ وضلالةِ وغفلةِ السنين يجب علينا أن نتذكرَ أن منتهى الحماقة أن نعتقدَ أن النعمَ لا تفنى وخمر الأيام لا ينضب. النعم تشبه الشمس والأرض في دورانهما، يطلعانِ على قومٍ ويغربانِ على آخرين. دخلت عبادة أم جعفر البرمكي بعد أن فتكَ بهم هارونُ الرشيد على أناسٍ في يومِ عيدِ أضحى تستمنحهمْ جلدَ كبشٍ تدفأ به، فسألوها عما كانت فيه من النعمةِ فقالت: لقد أصبحتُ في مثلِ هذا اليوم وإنَّ على رأسي أربعمائة وصيفة، وأقول إن ابني جعفرا عاقٌ لي!

لا تحتاج العظاتُ التاريخَ البعيد فكم من دولٍ كانت تشرب الزلالَ قد ذاقت العلقم، أنا وأنت حضرنا ما حلَّ بساحتهم. التاجر الرابح يقلب دفاترَ وأوراقَ المحاسبةِ في أوقاتٍ منتظمةٍ، في هذهِ الأيام من كُلِّ سنة، وتاجر العمر يغفل عن النظرِ في الساعاتِ والأيام وتمر دونَ أن يكونَ فيها ربح. لا يعلم ما تخفيهِ الأيامُ إلا الرب وفي كُلِّ الأحوال يجب أن تطلعَ علينا 1440 هـجرية ونحن نخالف كُلَّ منطقٍ للاستقراءِ في العجزِ والخيبة. تأتي السنةُ القادمة وقد خمدت حرارةُ الصيف. كلنا أملٌ أن تخمد معها كُلُّ النيرانِ التي يحترقُ بها البشر أينما كانت وكانوا.

مستشار أعلى هندسة بترول