آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:08 ص

ضفاف الغدير

إن القلم ليعجز عن الكتابة حول هذه الشخصية الربانية، والتي خصها الباري عز وجل بمواهب وخصائص وفضائل جليلة، فهو والأئمة من ذريته عدل القرآن الكريم، بما يشكلان مرجعية للأمة والربط بينهما واضح، فالقرآن مصدر الهداية والإرشاد ومرجعية للناس في بيان الأحكام الشرعية، وبيان لما اختلفوا فيه، وكذلك أمير المؤمنين هو مرجعية للأمة، إذ هو القرآن الناطق أي المبين لآيات كتاب الله، فهو من فقه مفاهيم وأخلاق وإرشادات القرآن بعناية رسول الله بتعليمه معاني الآيات الكريمة، وهذا المعنى أشار له الرسول الأكرم بتصوير الامتداد الممثل للهداية من بعده، فعلي باب ومدخلية صوابية للعلم والحكمة النبوية، فكانت سيرته من أقوال وأفعال تجسيداً للتعاليم القرآنية.

فمن هو أمير المؤمنين وما هي موقعيته المشار لها في مواضع عديدة في كتاب الله تعالى، والذي عبر عنه بأنه نفس الرسول ﷺ كما في آية المباهلة في سورة آل عمران، وفي آية المودة في سورة الشورى جعلت أجر الرسالة مودة أهل بيته ، وفي الروايات الشريفة الصحيحة عند جميع المسلمين كما جاء في صحيح مسلم: «حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وأبو معاوية عن الأعمش ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له، أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر، قال: قال علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق».

فلنا أن نتساءل بروية: ما هو المقصود بتلك المحبة اللازمة في أعناق المسلمين ممن يدينون بالولاء والطاعة والتسليم للرسول الأكرم ﷺ في كل ما دعا إليه كبقية التوجيهات الربانية التي بلغها بلا أي تقصير، فكان النبي هو الممثل للإرادة الإلهية؟

العاطفة الأهوائية لا محل لها في الدين الحنيف، فمحبة المؤمن لأحد تنبع من مصداقيته وتجسيده للقيم والأنوار المحمدية، فيكون مثالا للورع عن محارم الله تعالى والمحالفة لمحراب العبادة، تعامله يبصر الخلق المحمدي الرفيع ويتمثله في جميع أبعاد حياته وعلاقاته المتسمة بالطيب والتسامح.

وكراهية المؤمن لأحد لا تنشأ من شنآن لشخصه، بل هو بغض للمنكر والقبيح الذي يرتكبه، وهذا ما نجده امتثالا للهدي القرآني الذي بلغه المصطفى ﷺ، فكان يثني على أهل الإيمان ويذم من اتصف بالكفر والنفاق والفسوق، بعيدا عن الأهواء والشخصنة كما أكد القرآن الكريم في تنزيه منطقه ﷺ عن الهوى.

المودة لأهل البيت المشار لها في القرآن الكريم والروايات هو اتباع لمنهجهم الذي يمثل امتدادا للنهج النبوي دون أن يحيد عنه قيد أنملة، فيا أيها المتبعون والملتزمون بسمت الإيمان، التمسوا فكركم وسلوككم من أولياء الله عز وجل الذين طهرهم من رجس الآثام، وأما ما يتوهمه البعض من كفاية الانجذاب القلبي مع مخالفة سيرتهم أو موالاة من عاداهم وآذاهم فلا معنى لها، فإن المسلم المقر بالشهادتين مع إنكاره أو تركه للواجبات كالصلاة، هل يقبل منه ذلك، أو يكفي في قبول أعماله ونيله رضوان الله تعالى؟

بعد اتضاح معنى المودة لأهل البيت المرادة من رب العالمين، فلا معنى لتوهم الفرقة والمباينة بين الإمام علي والفرائض والقيم الإسلامية، إذ المفهوم التصوري الذهني للطاعات كالصلاة والصوم وغيرها المكتنفة لكل معاني التقوى والخشية من الله، وكذا مفهوم النواهي والمنكرات والطهارة من دنسها، نجد لها أفضل تجسيد وتطبيق وهي سيرة أمير المؤمنين، فاعلموا أنه لا يفارق نهج الرسول حذو القذة بالقذة، فلماذا هذه المناوأة له والتي تعني في حقيقتها بعدا عن الصلاة والتقى والصوم؛ لأن عليا هو الصلاة الخاشعة في أدائها، وهو الإيثار في العطاء والتصدق، وهو باب مدينة العلم النبوية، فلا جنة إلا لأهل الورع والحياء من الله والمنقطعون إليه كما كان كذلك الإمام علي، فمحبة أمير المؤمنين علي أو كراهيته إنما هي انعكاس لواقع قراءة دوره ومواقفه، والتي تضع الإنسان على المحك الذي يكشف حقائق النفوس وتتساقط عندها الأقنعة المزيفة، فحياة الإمام علي تجسيد للقيم الدينية ولسانه ينثر لآليء الحكمة، ومن واجهوه بالمناوأة ينبئون عن كراهيتهم للاستقامة والورع، وإن غلفوا أحاسيسهم بتبريرات واهية.