آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

فوقَ التلال

لم يُكتب ولم يُقال في ثورةٍ أكثرَ مما قيلَ في ثورةِ الإمامِ الحسين . لم يترك الكتابُ والنقادُ ممن أحبَّ وممن أبغضَ زاويةً خلالَ أربعة عشر قرناً من الزمنِ يستطيعونَ التلصصَ منها إلى الحدثِ واستنتاجَ ما يريدونَ استنتاجه إلا طرقوها، ما لا حصرَ له من الكتبِ في الأسبابِ والوقائعِ والنتائجِ كُتبت شعراً ونثراً. ربما هناكَ فجوةٌ كبيرةٌ لم يشبعها الفنُّ والفنانونَ في روايةِ الواقعةِ والتفاصيلِ التاريخية بالصورةِ التي لا ينقصها التوثيق الدقيق في التفاصيلِ علماً أن أحداثاً أقلَّ قيمةً من هذه الثورةِ التي حرفت مسارَ الأمة وعطلت مشاريعَ كان يخطط لها أعداءها صارت نبعاً للمسرحِ والسينما والتلفاز.

من السهلِ اقتفاء أثرِ التاريخ وإن ضللنا ومحَا خطاه في بعضِ المنعطفاتِ ولكن هل يمكننا انتشال الماضي ورميه في الحاضرِ وطرحَ أسئلةٍ مثل: ماذا لو كان الحسين بيننا اليومَ أو في الغدِ ورأى ذاتَ الرأيِ في زاويةٍ من العالمِ ووقف على تَلٍّ من الرمالِ ونادى هلموا معي، هل يجيبه الناسُ ويتغير التاريخ أم يعيد الناسُ في التاريخِ ذاتَ القرارِ في تركِ الحسينِ واقفاً دون أن يرفع أحدٌ صوته ويقول أنا معك؟

لا يعرف ما يدور في خلد الناسِ إلا الرب لكن يمكننا الإستقراء المنطقي بأن الحسينَ لو عادَ لن يكون معه سوى ثلةٌ من الرجالِ وبضعةُ أفراسٍ ورماح وكومةٌ من النبلِ لا تستطيع تغييرَ مادةِ المعركة ونتائجها العسكرية في قبالةِ جيشٍ كبير يقتله باسمِ الله وباقي الناس من خلفِ التلالِ ينظرون لمن يكون الغلب ويخرجون بعدها يقولونَ كنا جندكَ الخفيين، كنا ندعوا لك بالنصرِ والظفر. كان الحسينُ ومن معه كافياً لصناعةِ التاريخ إذ لا يحتاج نجاحُ المشاريعِ الكبيرة عدداً كبيراً من الناس فلنا أن نتخيلَ أن عزمَ الرجالِ يمتد على خطِّ الصفرِ والمائة فلو اجتمع الملايين وكان عزمهم وإرادتهم صفراً لن تكونَ النتائج بعيدةً عن الأرضِ ولو كان في المقابلِ عددٌ قليلٌ وهمةٌ راسخةٌ مائة في المائة مثل الجبالِ الشم سوف يُنتج عزمهم ما أنتجتهُ ثورةُ الإمامِ الحسين .

تتصارع القيمُ والمادةُ والغلبةُ الفورية والآنية للمادةِ وملذاتِ الحياةِ والغلبةُ المؤجلةُ للقيمِ الروحية التي لابد أن يكونَ هناك من ينتصر لها. ركيزةُ انتصارِ القيم تبقى إرادة البشر في النهوضِ بأعباءِ التغيير. متى ما توفرت وسائل الغلبة سوف تنتصر القيمُ وفي كُلِّ الأحوال تبقيها إرادةُ الربِّ حيةً تضيء الدربَ للسائرين.

يأخذ بعضُ الرجالِ وحركاتهم في التاريخِ صفةَ العالمية ولا يحاصرهم التاريخُ أو الجغرافيا ولكن يتجاهل كثيرٌ من الناسِ جداولَ الماءِ التي تنسابُ بين أيديهم فلا يشربون منها ولو تملكهم العطش. هكذا هو الحسين وثورته التي تبناها القليلُ من الأمةِ ونفاها الكثيرُ دون الغوصِ فيها وتقليبِ أرضها والنظر إن كانت تحوي الحجرَ أو الدرر. أرقد أيها الحسين في سلام، تحييكَ السماءُ والأرضُ بينما تسهر ثورتكَ والقيمُ التي ركزتهَا في الأمةِ يستعين بها من شاءَ ويشيحُ عنها بصرهُ من شاء، هكذا نحنُ البشر.

لو عادَ الزمانُ قروناً اليومَ وكان النبي محمد ﷺ بينَ الأحياءِ ربما يشط الخيالُ بأنه وفاطمةٌ وعليٌّ والحسن ولفيفٌ من الملائكةِ من أَخلاطٍ شتَّى ينتحونَ ناحيةً في بيتِ الحسينِ يبكونه دماً ويسألونَ هل يعود الحسين صغيراً يرتقي أكتافَ الجد؟ لكنهم لا يسمعونَ صوتاً سوى صدى أصواتهم هل يعود الحسين؟

أيتها الريحُ التي لا تهدأ احملي سلاماً منا ومن كٌلِّ من غمرهُ حبُّ الحسين ومن عرفَ الحسينَ قيمةً إنسانيةً لروحهِ الخالدة في الجنان.

مستشار أعلى هندسة بترول