آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

تصاعد الهجمة على حق العودة

يوسف مكي * التجديد العربي


بشكل غير مسبوق، تتصاعد الهجمة الأمريكية «الإسرائيلية» المزدوجة على حق اللاجئين الفلسطينيين بالشتات، في العودة إلى ديارهم. فبعد الإعلان عن قطع المساعدات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، تحت ذرائع واهية، ومنافية للأسباب التي من أجلها أنشئت هذه الوكالة، وصدور تصريحات استفزازية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تقلل من عدد اللاجئين الفلسطينيين الموجودين بالمخيمات، إلى أقل من عشرة في المئة، من العدد المعلن، جاء دور المطالبة الأمريكية «الإسرائيلية»، بتفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وإلحاق تركتها، بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

تفاوتت التصريحات الأمريكية و«الإسرائيلية»، المعادية لحقوق اللاجئين بين اتهام الرئيس الأمريكي ترامب، لوكالة الغوث بالتضخيم في أعداد المستحقين، والانحياز الصريح للاجئين الفلسطينيين بالمخيمات، وبين اتهام رئيس الحكومة «الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ل» الأونروا بالعمل على تدمير «إسرائيل»، ومطالبة الأمم المتحدة بالإلغاء الفوري لها، ودمج قضايا اللاجئين الفلسطينيين الموجودين بالمخيمات، في المؤسسة السامية التي أشرنا لها، باعتبارهم لاجئين لا يحملون هوية وطنية.

واقع الحال، أن العمل على إلغاء حق العودة، من قبل الكيان الصهيوني وحلفائه، قد بدأ منذ زمن طويل، وكان الأبرز في العمل الدؤوب لإلغاء حق العودة، هو ما جرى للفلسطينيين بالمخيمات في البلدان العربية المجاورة، خلال الأربعة عقود الماضية، حيث شهدنا سعياً حثيثاً، من قبل قوى محلية وإقليمية ودولية، للعمل على تدمير وتفكيك هذه المخيمات، باعتبارها عنوان الهوية الفلسطينية، ولأن تشريد الفلسطينيين من هذه المخيمات سيكون الخطوة العملية الحاسمة، في القضاء على حق العودة.

وبما أن جل المحاولات التي بذلت من قبل أطراف كثيرة، لتفكيك مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، لم تحقق أهدافها كما هو مطلوب، من أعداء القضية الفلسطينية، اتخذ الهجوم أشكالاً جديدة أكثر عنفاً ووحشية، وربما تكون أكثر فاعلية.

إن تتبع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذا السياق، تؤكد أن هناك عملاً جدياً وممنهجاً للقضاء النهائي والمبرم على حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم. فالتعريف الجديد للاجئ الفلسطيني وفقاً لرؤية ترامب هو الفلسطيني الذي نزح عن أرضه، إثر نكبة فلسطين، ونكسة عام 1967. وهذا التعريف يرفض تصنيف اللاجئين الذين ولدوا بالمنافي كلاجئين. وهؤلاء الذين تضمنهم تصنيف ترامب، هم بفعل تقادم الزمن على نفيهم، ورحيل معظمهم إلى العالم الآخر، لم يعودوا يشكلون 10 في المئة من تعداد الفلسطينيين بالشتات.

إن هذه الرؤية كما رأينا، تستثني اللاجئين الفلسطينيين الذين ولدوا بالمخيمات من الانتماء لفلسطين، ومن انطباق صفة اللاجئين بحقهم، وهؤلاء في واقع الحال يشكلون غالبية الفلسطينيين في الشتات، والعناصر القادرة على الكفاح في مواجهة مشاريع تذويب الهوية الفلسطينية.

إن الرؤية الأمريكية الجديدة، لمفهوم اللاجئين ليست اعتباطية؛ بل هي موقف مقصود وممنهج لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل نهائي وحاسم.

فالتسليم جدلاً بها، يعني أن المتبقي من أعداد اللاجئين الذين ولدوا على أرض فلسطين، هم في طريقهم للانقراض، حيث لا يشمل التقدير الأمريكي لأعداد اللاجئين الفلسطينيين، سوى العجزة، الذين سيرحلون في الوقت القريب، وخلال عقود قليلة. وبعدها لن يبقى لاجئون فلسطينيون، وفقاً للتصنيف الجديد.

ولأن التصنيف الجديد يختزل وجود الفلسطينيين، فإن ذلك يعني أن ميزانية أونروا، متضخمة وفقاً للتحليل الأمريكي عشرة أضعاف؛ ذلك لأن من هم بحاجة إلى التعليم، ومن يبحثون على مأوى وعمل، هم خارج هذا التصنيف.

تصريح نتنياهو في هذا السياق، من اتهام «أونروا» بتدمير «إسرائيل»، في جانب منه منطقي وصحيح، إذا سلمنا بمنطق يهودية الكيان الصهيوني، الذي بات معلناً، ومحمياً بالقانون «الإسرائيلي». إن نتيناهو يرى أن وجود الفلسطينيين في المخيمات، هو تحد لوجود دويلته؛ لأن هذا الوجود سيُبقي جذوة الكفاح الفلسطيني حية ومتوقدة إلى ما لا نهاية. ولذلك يقترح حلاً عملياً آخر، هو إلغاء العنوان الفلسطيني، بالجملة والتفصيل.

إن إلغاء العنوان الفلسطيني في الشتات، يتطلب إلغاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»؛ المؤسسة الدولية التي شكلتها الأمم المتحدة، إثر نكبة فلسطين عام 1948، لتقدم المتطلبات الأساسية لعيش الفلسطينيين بالمخيمات. إن شطب «أونروا» في هذا السياق، ومن وجهة النظر الصهيونية، هو شطب أممي للعنوان الفلسطيني، بالشتات.

وعلى هذا الأساس، يطالب نتيناهو بالحاق قضايا اللاجئين الفلسطينيين، بالمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وهي مؤسسة تعالج قضايا اللاجئين في مختلف أنحاء العالم، الذين تقرر الأمم المتحدة فتح مخيمات لهم، إما نتيجة كوارث أو أوبئة أو حروب.

وفي هذه الحالة، يختفي العنوان الفلسطيني، ويغدوا الفلسطينيون بالمخيمات مجرد لاجئين، لا يحملون حلم العودة إلى ديارهم. وتكون مهمة المجتمع الدولي هي البحث لهم عن أماكن توطين جديدة، لن يكون بينها الأراضي الفلسطينية.

ولن يكون بعيداً اليوم، الذي تضغط فيه الإدارة الأمريكية، على الحكومات العربية، بتوطين أعداد كبيرة من اللاجئين في أراضيها ومنحهم جنسية تلك البلدان، ونقل الفلسطينيين من ذوى الخبرات والكفاءات العلمية إلى الدول الأوروبية، وأمريكا الشمالية.

قضية اللاجئين الفلسطينيين بالشتات، وحق العودة، تمر بأخطر مراحلها على الإطلاق. ويتم تصفية الحقوق الفلسطينية، للأسف في ظل تمزق فلسطيني، وغياب استراتيجية عملية عربية وفلسطينية، لدعم صمود أشقائنا بالمخيمات.