آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 5:59 م

أولئك هداتي

لقد تجلت كل القيم والأوجه المشرقة للإنسانية العالية في مواقف الإمام الحسينو ، فمصداقية مبادئه وأهدافه وضعت على محك الاختبار، فهذا التمدد والمنهجة والاستشراء للفساد والظلم واستعباد الناس يحتاج في مواجهته إلى شخصية قيادية تتمتع بصفات الريادة وقوة الإرادة ومنطق الحكمة، وهذا ما تمثل في نورانية نفس الإمام الحسين والذي خاض غمار المواجهة في ظروف صعبة، فقلة الأنصار والسبات العميق لضمائر الناس وعقولهم، وكثرة الأعداء بما لا يقبل الشك في القدرة على مواجهتهم عسكريا، جعل الإمام الحسين يرسي قاعدة اشتباك بين الحق والباطل في جولاته المتتالية، فالغلبة والقوة في نفوس أبية لا تخنع ولا تذل رقابها أو تستسلم، ولا يمكن شىراء ضمائرهم ومواقفهم بثمن بخس في مزاد سوق الظلمة، أناس تاجروا مع الله تعالى فربحت تجارتهم، وصانوا كرامتهم وعزتهم من التدنيس بمال الخسة أو غرور حب الدنيا الزائفة، حددوا مسارهم بالتزام الحق وصوت العقل الرشيد فرأوه متمثلا بسبط الرسول ﷺ وريحانته وإمام زمانهم، وإن كانت الكلفة والثمن لموقفهم الرافض للجور وإشاعة المنكرات هو سفك دمائهم وطحن عظامهم بآلة البطش والتنكيل، فلمن لا يعرفهم أو يغض الطرف عن قراءة واعية لشخصياتهم واستنطاق الأحداث للتعرف على أسرار وخصوصيات نفوسهم العزيزة، هم معدن نفيس لا يأبه في سبيل الحق شيئا ولا يلقى التهديد بالموت أي بالة عندهم، قلوبهم كزبر الحديد لا يلينها أو يلويها أطماع عشاق الدنيا الزائلة ونمروديتهم وطغيانهم.

لقد سطروا أروع البطولات في كربلاء في مشهد لا تجد له نظيرا، فالواحد من أنصار الإمام الحسين يبرز للجموع غير آبه بهم، يطلب نصرة الدين والنصر الإلهي المبين وحسن العاقبة بتوشح الشهادة، وإن كان المطلب الوحيد لاعتلائهم منصة الجهاد في سبيل الله ومقارعة الظالمين هو التضحية بأغلى ما يملكون، فإن الجود بالنفس هو أهون وأسهل ما يقدمونه بل ولا يرونه شيئا في توفية حق السبط الشهيد، فماذا نال من خالفوا النهج الحسيني الإصلاحي، وهل من تخاذلوا وطلبوا الدعة والراحة بتخليهم عن المسئولية، أو من أصابهم الطمع بشيء من دنيا زائلة وجوائز مقابل شراء ذممهم، أو من آثروا السكوت عن الباطل خوفا من أن يطالهم شيء من ظلم وعدوان الظلمة، أو من عميت بصيرتهم فلم تمتاز عندهم ميمنة الإصلاح الحسيني عن شمالية الفسق ومقارفة المنكرات وأخلدوا إلى حياة الزيف والسراب؟

كل أولئك كانوا في قمامة التاريخ البشري بعد أن عراهم من الغطاء الديني والتلحف بالكلمات التي لبسوها بالحق، وأسفرت واقعة الطف عن انتصار مدرسة القيم الحسينية وتخليدها في ذاكرة الأحرار ما بقي الليل والنهار، وأما مكر أولئك فهو يبور ويضمحل وتصب عليهم اللعنات من كل منصف.