آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 12:09 م

” شمس لاتغيب“

فاطمة القروص

وتشرق شمس العاشر.. بعد ليلة مظلمة لا تنيرها غير تلك الأصوات المؤمنة المتهجدة التي لها دوي كدوي النحل..

بين مرتل لكتاب الله..

وراكع وساجد..

في انتظار وسام الشهادة.. مستبشرين بنصرة دين الله.. وتفانيا في حب مولاهم أبي عبد الله..

عالمين بمالهم من درجات عظيمة بهذه الشهادة.. ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا «23»

تشرق شمس عاشر عاشوراء 61 لهجرة سيد الرسل، يعلوها غبار تلك الحرب الظالمة لآل بيت النبي محمرة بدم الحزن والأسى.. كيف لا!! وأي دم يسفك في ظهيرتها.. هي الشمس ذاتها التي ردت كرامة لأبيه بعد المغيب لأداء فريضة الصلاة..

وها هي اليوم تشرق إيذانا بذبح عظيم، فداءا لإقامة كل الفرائض والسنن..

وما إن تزول، حتى يرفع الأذان وتصلى الصلاة الأخيرة من الفتية المؤمنة، يتقدمهم سبط الرسول غير عابهين بكثرة الرجال والسهام..

«وهذا درس من دروس عاشوراء المحافظة على الصلاة»..

وما إن تنتهي الساعة العبادية وتنكشف الغبرة إلا بسقوط 70 شهيدا من أنصاره، ويبقى سيد الشهداء وحيدا فريدا لا ناصر له ولا معين..

وتعلو تلك الصرخة المدوية في وجوه الظالمين..

«أما من ناصر ينصرنا»

ذلك الصوت الخالد.. الذي منذ سمنعاه ونحن لم نخلق بعد في أرحام الأمهات عام 61..

ولا نزال نسمعه إلى هذا اليوم بأرواحنا، وجوارحنا، وتجيبه تلك الأرواح من عالم الذر.. «لبيك ياحسين»

تلك الصرخة لا يدرك أبعادها وأهدافها إلا من عرف وفطن ماتعني.. والتي يستبعد منها الإستكانة والضعف، وقلة الناصر على العدو..

لأن القضية ليست قضية قتال بين جيشين غير متكافئين، من حيث العدة والعدد..

القضية بين الحق والباطل، بين إمام معصوم عارف بما أتى إليه ومن أجل ماذا يقدم هذه التضحيات،،

منذ ولادته عندما أخبر جده رسول ﷺ وعهد به إليه بأن يجري عليه مايجري ذلك اليوم حتى يستقيم الدين المضيع من تلك الفئات الباغية..

ناهيك عن ذلك.. فالحسين مؤيد من رب السماء، ولو شاء رب العزة لأرسل ملائكة غلاظ شداد تحرق الارض ومن عليها، كرامة لحبيبه وللحسين رحيانة رسوله..

إنما صرخة لتلك القلوب المتحجرة التي أضلها الشيطان والطمع وحب الدنيا، وعميت بصائرهم ظنا منهم أن يعمروا بعد قتله، ويحكموا رقاب الناس..

فأراد أن يقيم عليهم الحجة، خوفا عليهم من النار لعظم مايقدمون عليه من سفك دمه، وإنتهاك حرمه..

وبئس ما أملوا!!

خسروا والله.. خسرانا مبينا

أما من ناصر:

أما من مقيم لدين الله وإقامة شرائع الاسلام..

أما من معين يعيننا ويرجع ماضيع من حقوق الناس..

وتجيبه تلك الأروح من عالم الذر «لبيك ياحسين»..

على نهجك ومبدئك سائرين..

وتتساقط تلك الأجساد الطاهرة من آل الرسول، يتلوها شبل حيدر مضرجا بدماء الكرامة، مثخنا بجراحه النازفة، تكتب بخط العز ”هيهات منا الذلة“، مسطرا على صفحات التاريخ أعظم ملحمة عرفتها الأجيال..

أجساد ملقاة على الأرض.. وأرواح عارجة إلى السماء.. تتقدمها روح النبي ونفسه.. «ألم يقل ﷺ حسين مني وأنا من حسين»..

تلك النفس المطمئنة الراضية برضى رب العزة الذي شاء أن يراه قتيلا، لينال أعلى وسام الشهادة..

يبقى ثلاثا على رمضاء تلك الصحراء المسماة كربلاء ويعلو شأن قبره لتكون كعبة الوافدين..

تتجه لها الأرواح والأفئدة قبل الأجسام..

الحسين يقتل ويخلد ويكون منارا ورمزا لكل الثائرين..

ومثالا يقتدى بإبائه..

ويذهب قاتليه إلى مزبلة التاريخ ونارٌ وقودها الناس والحجارة..

نعم والله خسروا خسرانا مبينا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون..

وتغيب الشمس الدنيوية وتشرق ضمن نظامها الكوني المسخر من رب العزة والجلال، وتشرق شمس أخرى.. شمس الإباء واللاء للذلة والقهر،..

شمس لا تغيب أبدا.. تنير كل الضمائر الحرة في هذا الوجود

شمس ”إسمها الحسين“..