آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 3:44 م

«حوارية» هل بكاء الحسين (ع) دليل ضعف ووهن يوم عاشوراء؟

زاهر العبدالله *

هل بكاء الحسين دليل ضعف ووهن يوم عاشوراء؟

سؤال من دكتور على خلفية مقطع يقول باستحالة بكاء الحسين على ولده الأكبر أو طلب الماء من الأعداء وتوسله إليهم بطفله الرضيع حين قال «إذا كان ذنب للكبار ما ذنب الصغار» لا توجد رواية هكذا فهذا غير صحيح.. وإن الحسين لم يطلب الماء من الأعداء ووو.... الخ

ما مدى صحة هذا لكلام؟ والدليل؟ الجواب:

مقدمة:

بما أن الشيخ ابتدأ بالعقل في المقطع لا أخالك تحتاج أدلة تاريخية بشكل دقيق أكثر من الأدلة العقلية ولذا نحتاج تحرير محل الإشكال الذي أورده الشيخ في المقطع

فقد ركز على محور العقل ثم قال لا توجد رواية

وهذا يدفعنا للجواب حسب معطياته الأولى فسيكون الجواب الأول مركز على العقل مع استشهاد ببعض الأدلة النقلية التي تعضد الأدلة العقلية ثم في مرحلة أخرى نورد الأخبار الواردة في السيرة في مقتل الحسين كجواب آخر يدعم قولنا فنقول في مقام الجواب

هناك نوعين من الأدلة

الأولى: تاريخية

وقد أورد أرباب المقاتل مثل ابن المقرم ومقتل ابي مخنف وغيرهم أن ما ذكر من صور مأساوية من واقعة الطف موجوده بأخبار مختلفة تحمل معنى واحد

وسنذكرها بمصادرها في نهاية البحث

الصور الثانية:

أدلة عقلية وأن مصيبة الحسين لم يكن فيها أي اعجاز وجرت بالأسباب الطبيعية

والعاطفة تحمل دلالات متعددة مرة بلحاظ الذات بأن يظهر توسل الحسين بالأعداء وهذا محال عقلاً أن يقوم به الحسين . لوجود نصوص تاريخية وقرائن عقدية تمنع حصول هكذا أمر

لوجود شواهد منها:

قول الحسين «ألا أن الدعي أبن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة»

م: تحف العقول - ابن شعبة الحراني - الصفحة 241

وقوله «الموت خير من ركوب العار والعار خير من دخول النار»

م: بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 44 - الصفحة 192.

وقوله «لا اعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد»

م: الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 - الصفحة 98.

وقوله متمثل بقول شاعر «أن نَهزم فهزّامون قِدما وإن نُهزم فغير مهزمينا»

م: بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج45 - ص9

وغيرها من النصوص التاريخية وكذا الثابت عقديا أن الذات عند الحسين محال أن تكون في موقف ضعف أو وهن ابداً

الصورة الثالثة:

إتمام الحجة على الناس وتمثلت في قوله «أيها الناس! اسمعوا قولي، ولا تعجلوني حتى أعظكم بما هو حق لكم عليّ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي، وأعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد،... الخ»

م: موسوعة كلمات الإمام الحسين - لجنة الحديث في معهد باقر العلوم - الصفحة 506.

فوعظ القوم بمختلف المواعظ ليوقظ الضمائر الميتة وفعلاً هناك من استجاب من معسكر يزيد حتى وصل العدد 30 رجل تحولوا من رجال بن سعد إلى ركب الحسين كما هو ثابت تاريخيا

الخلاصة: خطابه من باب إقامة الحجة وتلطف بمن في قلبه نور

الصورة الرابعة: هل البكاء له دلالة ضعف ووهن في كل الأحوال؟

الجواب: لا

فهناك بكاء الذلة والضعف والوهن وهذا ما نفيناه في مقدم الكلام

وهناك بكاء الأب على ابنه وأخيه وصحبه وهذا أمر فطري لكل بشر ولا يلام ولا ينقص من قدره شيء لأنه منسجم مع خلقة البشر الغريزية هنا سؤال هل له شاهد هذا الكلام

الجواب: نعم

بكاء رسول الله ﷺ وسلّم في أكثر من موضع على ما يجري على أهل بيته من تشريد وقتل وهذا ثابت عند الفريقين وكذا أمير المؤمنين والزهراء والحسن جرت بنفس النسق والسيرة كما سنبينه في أخر الجواب حين ذكر المصادر

الصورة الأخيرة:

انه عرض الطفل الرضيع وقال اسقوا الطفل ماء على فرض صحة هذه الراوية

نقول: هل هذا الموقف فيه ذل ومهانه لقد نفينا ذلك من خلال ما ذكر سابقا لكن نضيف هنا

إن الحسين مأمور من قبل الله سبحانه كما قال لأخيه محمد ابن الحنفية «شاء الله أن يراني قتيلاً وشاء الله أن يراهن سبايا» ما ذكر السيد المقرم في مقتل الحسين : ص 65.

وقال «خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما اولهني إلى اسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف فكأن اوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النوواويس وكربلاء... الخ» كشف الغمة - ابن أبي الفتح الإربلي - ج 2 - ص 239

إذاً مشهد الطف كاملاً حاضراً ماثلاً أمام عيني الحسين وهذا العلم الحضوري الذي عنده مصداق لقوله تعالى «﴿عالِمُ الغَيبِ فَلا يُظهِرُ عَلى غَيبِهِ أَحَدًا «26» إِلّا مَنِ ارتَضى مِن رَسولٍ فَإِنَّهُ يَسلُكُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ رَصَدًا[الجن: 27]

فأضعف الأقوال نستفيدها من الآية الكريمة

أن نقول: أن الحسين عرف تفاصيل مقتله عن أبيه عن جده محمد ﷺ وسلّم إذا لا مجال في نفى موقف الحسين حين عرض طفله الرضيع أنه يمثل ضعف أو ذله لأنه ببساطه مأمور من قبل الحق سبحانه.

ومن جهة اخرى لطف منه لأنه مظهر لجلال الله وجماله إذ لعل بهذا الموقف

تستيقظ بقية من باقية من الضمائر الميته وتعود إلى الحق وينجيها من نار سجّرها جبارها لغضبه وبلوغ أقصى درجات الحجة كما قال تعالى ﴿قُل فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فَلَو شاءَ لَهَداكُم أَجمَعينَ[الأنعام: 149]

وعليه نقول

كل ما جرى في كربلاء يوافق الفطرة والطبع الفسيولوجي الإنساني ولا يتعارض ابداً مع الشجاعة والسمو والإباء والطهر والنقاء فكلام المعترض أقرب للحماسة والعاطفة والمثالية الزائفة من الحقيقة والسلام

الخلاصة:

ان مدار إشكال المعترض أن البكاء في الحرب لا يليق بالمعصوم أو يكاد يكون مستحيل لأنه خلاف الشجاعة

وهذا الكلام واضح انه خطأ والدليل

رسول الله ﷺ وسلّم أفضل الخلق قاطبة

بكى على عمه الحمزة رضوان الله عليه أسد الله ورسوله حتى أنه ناشد قومه

بقوله: «فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فبكى، ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له»

م: السيرة النبوية - ابن هشام الحميري - ج 3 - الصفحة 613

وكذا بكاءه على فقد ابنه إبراهيم وكذا بكاءه على ما يجري على أهل بيته وإلى درجة النحيب كما ينقل أهل الحديث من كلا الفريقين كان رسول الله ﷺ وسلّم له نحيب على الحسين كما في رواية أم سلمه

وهذا البكاء ابداً لا ينافي الشجاعة والبطولة في أشرف الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وسرت هذه العاطفه الجياشة وصلابة الإيمان والشجاعة جنباً إلى جنب في شخصية النبي محمد ﷺ وسلّم وجرت في وِلده وأخيه أمير المؤمنين كيف لا وقد قال الله تعالى ﴿لَقَد كانَ لَكُم في رَسولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيرًا [الأحزاب: 21]

اتمنى أني رفعت الشبه عن جنابكم

الجواب الثاني وهو ذكر الأدلة التاريخية

1 - بكاء الحسين على ابنه علي الأكبر

2 - طلب الحسين أبنه الرضيع وذبحه من الوريد إلى الوريد

3 - هل طلب الحسين الماء قبل استشهاده؟

بكاء الحسين على ولده علي الأكبر

حين قال علي الأكبر «السلام عليك يا أبتي، هذا جدي المصطفى قد سقاني بكأسه الأوفى وهو ينتظرك الليلة، فشد الحسين حتى وقف عليه وهو مقطع، فقال: قتل الله قوماً قتلوك، يا بُني فما أجرأهم على الله، وعلى انتهاك حرمة الرسول ﷺ ثم استهلت عيناه بالدموع وقال: على الدنيا بعدك العفا

م: مقتل الحسين - أبو مخنف الأزدي - الصفحة 163

طلب الإمام الحسين طفله الرضيع وذبْحه من الوريد إلى الوريد.

قال: أتى الحسين بصبي له فهو في حجره إذ رماه أحدكم يا بني أسد بسهم فذبحه، فتلقى الحسين دمه، فلما ملاء كفيه صبه في الأرض، ثم قال: رب ان تك حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين. م: مقتل الحسين - أبو مخنف الأزدي - الصفحة 173

هل طلب الحسين الماء قبل استشهاده؟

الجواب: تعددت الروايات وهناك من يقول نعم طلب الماء والرواية هي

عن محمد بن عمرو بن الحسن قال: كنا مع الحسين بنهر كربلاء ونظر إلى شمر بن ذي الجوشن وكان أبرص فقال: الله أكبر الله أكبر، صدق الله ورسوله قال رسول الله: كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغِ في دم أهل بيتي ثم قال: فغضب عمر بن سعد لعنه الله ثم قال لرجل عن يمينه: انزل ويحك إلى الحسين فأرحه، فنزل إليه خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله فاجتز رأسه وقيل: بل جاء إليه شمر وسنان بن أنس والحسين بآخر رمق يلوك لسانه من العطش، ويطلب الماء، فرفسه شمر لعنه الله برجله، وقال: يا ابن أبي تراب ألست تزعم أن أباك على حوض النبي يسقي من أحبه، فاصبر حتى تأخذ الماء من يده ثم قال لسنان: اجتز رأسه قفاء، فقال سنان: والله لا أفعل، فيكون جده محمد ﷺ خصمي فغضب شمر لعنه الله وجلس على صدر الحسين وقبض على لحيته وهم بقتله، فضحك الحسين فقال له: أتقتلني ولا تعلم من أنا؟ فقال: أعرفك حق المعرفة: أمك فاطمة الزهراء، وأبوك علي المرتضى، وجدك محمد المصطفى، وخصمك العلي الأعلى أقتلك ولا أبالي، فضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة ثم جز رأسه صلوات الله وسلامه عليه، ولعن الله قاتله ومقاتله والسائرين إليه بجموعهم وقال ابن شهرآشوب: روى أبو مخنف عن الجلودي أنه كان صرع الحسين

م: بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 - الصفحة 56.

المصادر
  1. تحف العقول - ابن شعبة الحراني - الصفحة 241
  2. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 44 - الصفحة 192.
  3. الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 - الصفحة 98.
  4. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج45 - ص9
  5. موسوعة كلمات الإمام الحسين - لجنة الحديث في معهد باقر العلوم - الصفحة 506.
  6. ما ذكر السيد المقرم في مقتل الحسين : ص 65
  7. كشف الغمة - ابن أبي الفتح الإربلي - ج 2 - ص 239
  8. السيرة النبوية - ابن هشام الحميري - ج 3 - الصفحة 613
  9. مقتل الحسين - أبو مخنف الأزدي - الصفحة 163
  10. مقتل الحسين - أبو مخنف الأزدي - الصفحة 173
  11. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 - الصفحة 56.