آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

سياسة التوازنات

محمد أحمد التاروتي *

تلعب القراءة الواعية لاتجاهات التيارات الفكرية، دورا محوريا في تجنب الوقوع في مزالقها الفاسدة، فالمعرفة الدقيقة بمرامي تلك التيارات، يجعل عملية الاختيار سهلة، والوقوع في حبائلها عملية صعبة للغاية، ”العالم باهل زمانة لا تهجم علية اللوابس“، مما يعرقل جميع محاولات الوقوع، في مصائدها العديدة والمتنوعة، الامر الذي ينعكس إيجابيا على المسيرة الفكرية غير الملوثة، بمفاسد بعض التيارات غير السليمة.

الاختلات الفكرية التي ظهرت على منهجية البعض، مرتبطة بالقراءة الخاطئة او المتسرعة، فالبعض وجد نفسه غارقا في تيارات فكرية بعيدة كليا عن الواقع، واحيانا تسير في عكس التيار الاجتماعي، مما شكل صدمة كبرى في المنظومة الفكرية في البداية، وعدم القدرة على تصحيح المسار المعوج في منتصف الطريق، وصعوبة الخروج من تلك التيارات الفاسدة في نهاية الطريق، الامر الذي يجبره على مواصلة الطريق المتعرج، نظرا لحجم الخسائر التي تحملها، جراء ركوب الموجة غير المناسبة منذ البداية، بمعنى اخر، فان التخبط الفكري الذي ينتاب بعض النخب الثقافية، مرتبط بالمسيرة الخاطئة في البداية، مما ينعكس على النتاج الفكري مع مرور الزمن، فالعطاء الفكري نتاج مجموعة المبادئ والقيم، التي تنطلق منها النخب الفكري.

القدرة على تحديد الخيارات المناسبة، ومحاولة اجراء مقارنة محايدة، وغير منحازة عملية ليست سهلة، خصوصا وان التيارات الفكرية تحاول ممارسة ارهاب، على الأفراد للانغلاق على التيارات الاخرى، من اجل منع تسرب افكار تولد تساؤلات عديدة، مما يحدث انقلابا جذريا في مجموعة المبادئ، التي تبشر بها تلك التيارات المنغلقة، بمعنى اخر، فان رفض مبدأ الانغلاق والتحرك ضمن دائرة صيقة، عنصر حيوي في الانطلاق باتجاه اكتشاف، الكثير من الممارسات غير المستقيمة، والتعرف على مواطن الخلل، لدى العديد من التيارات الفكرية السائدة، وبالتالي فان التفكير خارج الصندوق يسهم في انارة الطريق،، وعدم السير بدون وعي حتى النهاية، الامر الذي يفسر الانسلاخ الكامل لدى بعض النخب من الافكار السابقة ورفض تبني المعتقدات الثقافية، لدى بعض التيارات المسيطرة، على الساحة الفكرية في المجتمع، نتيجة اكتشاف الكثير من الافكار المغلوطة، وغير المنسجمة مع الواقع الاجتماعي القائم، مما يفرض اعادة تقييم تلك الافكار بشكل كامل، لإحداث حالة من الانسجام مع الواقع المعاش.

التركيز على التوازن في الاختيار، وعدم انتهاج سياسة التصادم المباشر، مع التيارات الفكرية، يشكل حصانة في السير وسط التيارات المتلاطمة، خصوصا وان امتلاك الوعي يلعب دورا حاسما، في البقاء بعيدا عن التأثيرات المتعددة، للتيارات الفكرية المختلفة، بمعنى اخر، فان امساك العصا من الوسط يساعد على التوازن، وعدم الوقوع في احد التيارات الفكرية المشبوهة، فالانغماس دون وعي ودراية تامة بماهية تلك التيارات الفكرية، وأغراضها الحقيقية، تكون اثارها وخيمة على المنظومة الثقافية، وبالتالي فان الحصول على المسار السليم مرهون، بالقدرة على التحرك بحذر شديد، ومهارة عالية في إدارة لعبة التوازن، مما يمثل نجاة من السقوط، في مستنقع التيارات الفكرية الفاسدة.

بكلمة، فان سياسة التوازن ليست متاحة للجميع، الامر الذي يفسر سقوط إعداد كبيرة، في فخ التيارات الفكرية ذات المحتوى الفاسد، نتيجة الوقوع ضحية الشعارات البراقة، خصوصا وان غالبية التيارات الفكرية، ترفع شعارات براقة لممارسة الخداع، واستقطاب اكبر عدد من الضحايا، بيد ان اكتشاف هذه الحيل ليس سهلا، جراء عملية غسيل الدماغ الذي تمارسه، للسيطرة على العناصر المخدوعة.

كاتب صحفي