آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 6:07 م

التخدير.. الخوف

محمد أحمد التاروتي *

عملية اخراج العقل من الخدمة مؤقتا ليست سهلة، ولكنها ممكنة في الوقت نفسه، خصوصا في حال استخدمت العديد من الأدوات المشجعة، على تعطيل العقل، ووضعه خارج التغطية، فهناك الكثير من الوسائل المتبعة للسيطرة على العقول، الامر الذي يجعله غير مفيد سواء لفترة قصيرة، او لمدة طويلة، نظرا لخطورة استقلالية التفكير على العديد من التيارات الفكرية، والاتجاهات الثقافية، مما يحفز لابتكار مختلف الأساليب للسيطرة، على البيئة الاجتماعية، وعدم السماح للانطلاق باتجاه الاستقلالية.

تعطيل عقول القاعدة الشعبية، يمثل الهدف الأسمى لاصحاب التيارات الفكرية، حيث تمارس الطبقة القيادية ارهابا فكريا، على مختلف القواعد الشعبية، من خلال استخدام الكثير من الحيل والخداع، عبر رفع شعارات متعددة، مثل حماية المنظومة الثقافية للتيار، وعدم السماح باختراقها، نظرا لما يمثل من تهديد كبير، لمجموعة المبادئ الداخلية للتيار، الامر الذي يفرض وقف مختلف اشكال الانفتاح، او محاولة اجراء مراجعة، او نقد ذاتي للمباني الفكرية للتيار، لاسيما وان فتح باب النقد الذاتي يقود الى انسحابات، وانتقادات كبيرة لمسيرة التيار، وبالتالي محاولة تقويم التجربة بما ينسجم مع التحولات، والمستجدات على الساحة الثقافية.

القدرة على تعطيل العقول، تختلف باختلاف الاستجابة، لدى الطرف الاخر من جانب، وإمكانية فرض السيطرة على القاعدة الشعبية، من لدن القيادة من جانب اخر، بمعنى اخر، فان الحصول على نتائج باهرة، في مرحلة من المراحل، لا يمثل ناجحا دائما، خصوصا وان إمكانية صحوة العقول واردة، بين لحظة واخرى، مما ينعكس على شكل تمرد، وثورة داخلية، تدفع باتجاه اعادة النظر في القناعات الفكرية بشكل جذري، الامر الذي يهدد استمرارية التيار في التماسك الداخلي، مما يؤشر لقرب تشظي التيار، وخروج تيارات اخرى من رحمه، جراء بروز قناعات جديدة ترفض الاستمرار، على النهج السابق.

التخدير عملية محفوفة بالمخاطر، نظرا لصعوبة بقاء القاعدة الشعبية، على الاستسلام حتى النهاية، فالسكوت في مرحلة من المراحل على التجاوزات غير قابل للاستمرار، نظرا لاختفاء الخوف من جانب، وتطور التفكير لدى العديد من اجيال القاعدة الشعبية من جانب اخر، مما يدفع باتجاه المواجهة الشاملة او الجزئية، بمعنى اخر، فان القيادة مطالبة بمراجعة ذاتية على الدوام، لقطع الطريق امام حركات التمرد من جانب، ومواكبة التطور العقلي، والفكري لدى إعداد كبيرة، من القواعد الشعبية من جانب اخر، وبالتالي، فان التفكير الفوقي لدى القيادة مصيره التلاشي مع الزمن، نتيجة وجود تطلعات لدى عناصر عديدة، للانقلاب على الفكر المنغلق، لدى الجيل القديم، والتحرك باتجاه الانفتاح على العالم، لدى الأجيال الجديدة.

الخوف من فقدان المواقع القيادية، يشكل احد الاسباب وراء ممارسة تعطيل العقول، لدى القاعدة الشعبية، فالبعض غير قادر على استيعاب إزاحته، من موقعه لفتح الطريق، امام العقول الاخرى لممارسة مهمة العطاء، ومواصلة مشوار التنظير الفكري، مما يدفعه لانتهاج سياسية الانغلاق عن العالم، والسعي الدائم لتخدير التفكير، لدى الغالبية العظمى من القواعد الشعبية، وبالتالي فان تلاشي الخوف يمثل احد العوامل للانطلاق باتجاه الحرية الفكرية، الامر الذي يسهم في اثراء التجربة البشرية، في عملية التنوير في مختلف المجالات الفكرية.

كاتب صحفي