آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

حاجتنا لثقافة العقل امام الخرافة

عيسى العيد *

الأساطير والخرافات مقيدة لحركة العقل الفكرية، حيث إن قيد الخرافات والأساطير أعظم من قيد الحديد على رقاب الناس، كما أنها إذا سادت في مجتمع هوى في وحل الجهل وتأخر عن ركب التقدم والسمو، فلا يمكن لحرية الرأي أن تسود بين مجتمع خرافي؛ لأن الخرافة تتحول إلى معتقد يصعب على معتنقها التنازل والحوار وقبول الرأي الآخر، كما أن المجتمع المعتقد بالخرافة والأسطورة لا يتقدم في أنواع العلوم؛ لأن بطبيعة الخرافة لا تتغير ولا تتبدل ولا يدخل عليها أي تطوير، لذلك يصبح معتنقها جاهلًا بطبعه، يؤمن بها ويدلل على صحتها بقدم نشأتها، وهي إن تجددت، فإنما يكون ذلك في قالبها وتفاصيلها وتغيُّر عنوانها وأسلوب ممارستها.

ولكي يتخلص أي مجتمع من جهل الخرافة والأسطورة لا بد أولاً: من ثقافة تعلي من شأن العقل والمعرفة، ولا يكون ذلك إلا بدرء الخرافة في بداية نشأتها، وذلك استقاء من التجربة النبوية العظيمة، إذ تروي المصادر التاريخية أن إبراهيم ابن رسول الله ﷺ لما توفي، حزن عليه رسول الله، وذرفت عيناه حزنًا، وصادف أن انكسفت الشمس، فقال الناس: إنما انكسفت الشمس لموت ابن رسول الله ﷺ، فلما وصل قولهم إلى مسامع الرسول، صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «…إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يجريان بأمره، مطيعان له، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا انكسفا أو أحدهما صلّوا»، ثم نزل المنبر، فصلى بالناس الكسوف «بحار الأنوار».

ففي هذه الحادثة، بادر رسولنا الكريم محمد ﷺ بتكذيب تلك الخرافة، وهي في بداياتها لكيلا تنتشر ويصعب التخلص منها.

والأمر الآخر: ضرورة نشر ثقافة العلم، فعندما تنتشر العلوم المتقدمة وتسود أوساط المجتمع، يرتقي بفكره ويُخضِع تلك الخرفات إلى مزيد من البحث والتدقيق والمعالجة، وحينها قد لا تصمد أمام العلوم المنطقية التي يتقبلها العقل بقبول حسن. فبالعلم تتقدم المجتمعات وتتسيد، كما كان الأوائل من العرب المسلمين عندما انتشر العلم عندهم، إذ تقدمت مجتمعاتهم وخفتت بينهم الخرافة. وعندما تراجع الفكر في مجتمعاتنا العربية أمام الفكر الغربي، الذي اعتمد على العلم والمعرفة، تقدموا وتأخرنا.

لذلك عندما تنتشر ثقافة إعلاء شأن العقل وانتشار العلوم والمعرفة، تتراجع الخرافة والأسطرة، وتسود حالة من حرية الرأي وقبول الآخر؛ لأن العلم والعقل يشتغلان ويتطوران بالحوار وحرية الرأي، كذلك بالعلم والعقل يقبلان على حقوق الآخرين الفكرية بعكس الخرافة والأسطورة تشغل حالة كبيرة من الجهل والتخلف ومصادرة حقوق الناس.