آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 4:55 م

الخطيب.. الخطاب

محمد أحمد التاروتي *

الخطاب مرآة لثقافة الخطيب، حيث يتجلى في نوعية الافكار المطروحة، والقدرة على طرح الجديد، من خلال التعاطي مع القضايا ذات الاولوية في المجتمع، فعملية انتقاء الافكار ليست سهلة على الاطلاق، نظرا لتفاوت المستويات الفكرية في البيئة الاجتماعية، الامر الذي يفرض الاختيار الصائب، وتحاشي الدخول في المناطق المحرمة او المحظورة، باعتبارها مطبات خطيرة تحدث انقساما كبيرا، لدى الفئات الاجتماعية.

الدعوة لاختيار الملفات المركزية، ليس مدعاة لتجاهل بعض القضايا الاخرى، خصوصا وان الخطاب يستدعي مواكبة الاحداث، والتحرك لمعالجة المواضيع الاجتماعية، بطريقة متوازنة وعلمية، فالدخول في القضايا بطريقة خاطئة يفاقم الامور، عوضا من ايجاد الحلول المناسبة، الامر الذي يفسر حالة التخبط التي تعتري نوعية بعض الخطابات، نتيجة الافتقار للآلية المناسبة لتناول القضايا، مما يسبب حالة من الانقسام الداخلي.

براعة الخطيب تلعب دورا أساسيا، في معالج القضايا الاجتماعية، فالخطيب القادر على تناول الملفات بشكل علمي، يدفع باتجاه بلورة الحلول، ووضع المجتمع على الجادة الصائبة، بمعنى اخر، فان اثارة القضايا الاجتماعية بمثابة الخطوة الاولى سبيل تحريك المياه الراكدة، فيما تأتي الخطوات الاخرى لايجاد المناخ الملائم لتطويق الازمات، وبحثها بطريقة مناسبة، وبالتالي ايجاد البيئة الملائمة، لإنهاء تلك القضايا الاجتماعية باقل الخسائر.

المشكلة تكمن في نوعية الخطاب المستخدم، في تناول القضايا الاجتماعية، فالبعض يتحرك بطريقة عشوائية، وغير مدروسة من خلال تضخيم الامور، واحداث بلبلة ليست واقعية، عبر اثارة قضايا هامشية، واحيانا تافهة، الامر الذي يسبب في اشغال المجتمع بملفات جانبية، بمعنى اخر، فان الافتقار للإمكانيات في تناول الملفات المركزية، يدفع البعض لتناول القضايا التافهة، بطريقة ممجوجة للغاية، بحيث تكشف طريقة الطرح لتلك القضايا ضحالة المستوى الثقافي، وغياب الوعي في الاختيار المناسب، وبالتالي فان غياب القدرة على معالجة القضايا الاجتماعية الكبرى، يجبر على الدخول في ملفات شائكة وصعبة، اذ يحاول هؤلاء استخدام بعض المفردات الصعبة، لإظهار المهارة في الخطاب، بغرض استخدام الابهار لدى الملتقى، دون الدخول في صميم القضايا، فضلا عن التحرك الجاد، لايجاد الحلول المناسبة.

العلاقة العضوية بين الخطيب والخطاب، تفرض التسلّح بالأدوات اللازمة للقيام بالدور، على الوجه المطلوب، فالبراعة الخطابية ليست كافية في معالجة القضايا الاجتماعية، بدون امتلاك الخطاب الواعي، والثقافة القادرة على احداث تموجات حقيقية، في البيئة الاجتماعية، عبر الحرص على تناول القضايا الهامة، كما ان امتلاك الخطاب الوعي دون القدرة على نشره في المجتمع، ليس كافيا على الاطلاق، فاللسان ضرورة للتعبير عن ما يختلج في الصدور، ”تكلموا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت لسانه“، وبالتالي فان، التكامل في الخطابة والتمايز في الخطاب، يساعد على بلورة الكثير من القضايا الاجتماعية، مما يسهم في انتشال البيئة الاجتماعية، من مستنقع الازمات المزمنة، وايجاد الأمصال اللازمة، للقضاء على المشاكل الدائمة، خصوصا وان الخطاب المسؤول يمثل احد الأدوات المستخدمة، لتحريك الامور في الاتجاه الصائب.

كاتب صحفي